للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ننتقل بعد ذلك إلى حد القذف ولم يختلف أهل العلم في تحديده كما نصت الآية الكريمة وهو ثمانون جلدة إذا قذف الرجل المحصنة العفيفة، وكذلك إذا قذف رجلا أيضا فإنه يجلد كذلك، إلا أن يأتي القاذف ببينة على صحة القذف، أي يأتي بأربعة شهداء يشهدون على صحة قوله كما قال تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (١) وجاء مع الأمر بجلد القاذف أمران نصت عليهما الآية وهي قوله تعالى {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٢).

الأمر الأول أن ترد شهادته فلا تقبل. الثاني: أن يكون مشهورا بالفسق ليس بعدل ثم قال تعالى {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣) وللعلماء رحمهم الله في قبول توبة القاذف قولان بحسب الاستثناء في الآية.

الأول: ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله: أنه إذا تاب قبلت شهادته وارتفع عنه حكم الفسق، وذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة رحمهما الله إلى أن الاستثناء إنما يعود إلى الجملة الأخيرة من الآية فيرتفع الفسق بالتوبة ويبقى مردود الشهادة أبدا.

ولعل الرأي الأول متجه لأن التوبة تجب ما قبلها، ولا ذنب أعظم من الشرك، وقد توعد الله عليه بالحرمان من دخول الجنة وجعل مأواه النار إذا مات عليه؛ ومع ذلك تقبل توبة المشرك إذا صدق فيها وأخلص، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (٤) ويدخل في هذا الإطار كل ذنب تاب منه العبد وأناب ولم يعاود


(١) سورة النور الآية ٤
(٢) سورة النور الآية ٤
(٣) سورة النور الآية ٥
(٤) سورة الزمر الآية ٥٣