للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - التعريف بالأمكنة

ويشغل هذا المقصد حيزا ليس بالقليل من التعليقات، ويبحث أبو داود في هذا الأمر بحثا موضوعيا ميدانيا - على التعبير الشائع - فيقوم بنفسه بقياس الأمكنة المذكورة في الحديث ورؤيتها والبحث في التطورات التي حصلت عليها ويصفها كما رآها.

وهذا تفكير علمي صحيح وأسلوب من التحقيق اليقيني في مثل هذه الموضوعات، ومن الأمثلة على ذلك تحقيقه لموضع (بئر بضاعة) وقياسها ووصفها؛ فهو بعد أن أورد الحديث المشهور عن هذه البئر التي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فيها على الرغم مما يطرح فيها من الفضلات فقال صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء (١)». وبعد أن أورد المؤلف روايتين للحديث قال:

(قال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها. قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة.

قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا. ورأيت فيها ماء متغير اللون) (٢) فهو أولا يروي ما سمعه عن قتيبة بن سعد ويقره عليه؛ لأنه بعد أن زار البئر لم يذكر لنا خلاف ما روى.

ثم يذكر أنه هو بنفسه قاسها فوجد عرضها ستة أذرع، ويحكي لنا الطريقة التي استخدمها في هذا القياس وهي مد ردائه عليها ثم ذرعه، ويحكي لنا أنه خشي أن يكون بناؤها قد غير عما كان عليه زمن الرسول، فسأل المشرف عليها الذي فتح له باب البستان الذي يضمها. فتأكد من أنها على حالها ثم وصف الماء الذي فيها بأنه متغير اللون.

وهذا صنيع علمي دقيق محمود.

وكذلك فقد عرف المكان الوارد في الحديث ٣٧ وهو حصن باب أليون فقال: (قال أبو داود: حصن أليون بالفسطاط على جبل) (٣).


(١) سنن الترمذي الطهارة (٦٦)، سنن أبو داود الطهارة (٦٦).
(٢) " السنن " ١/ ٤٩ - ٥٠.
(٣) " السنن " ١/ ٤٠.