للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (١) الآيتين فيه خمسة عشر مسألة:

الأولى - اختلف الناس في سبب نزول هذه الآية، فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في امرأتين، روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن أنس بن مالك: «أن قوما من عكل - أو قال: من عرنة - قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها؛ فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا النعم، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم من أول النهار فأرسل في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، (٢)» قال أبو قلابة: فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. وفي رواية: «فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم (٣)»، وفي رواية: «فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم قافلة، فأتي بهم قال: فأنزل الله - تبارك وتعالى - في ذلك: الآية (٥)». وفي رواية: قال أنس: «فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا (٦)»، وفي البخاري: قال جرير بن عبد الله في حديثه: «فبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوم من المسلمين حتى أدركناهم وقد أشرفوا على بلادهم، فجئنا بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٧)»، قال جرير: «فكانوا يقولون الماء، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النار»، وقد حكى أهل التواريخ والسيرة أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات وأدخل المدينة ميتا، وكان اسمه يسار، وكان نوبيا. وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ست من الهجرة، وفي بعض الروايات عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرقهم بالنار بعدما قتلهم، وروي عن ابن عباس والضحاك أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض. وفي مصنف أبي داود عن ابن عباس قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (٨) إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٩) نزلت هذه الآية في المشركين فمن أخذ منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه. وممن قال إن الآية نزلت في المشركين: عكرمة والحسن، وهذا ضعيف، يرده قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (١٠)


(١) سورة المائدة الآية ٣٣
(٢) صحيح البخاري الوضوء (٢٣٣)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي الطهارة (٣٠٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٦٣).
(٣) صحيح البخاري الحدود (٦٨٠٤)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي الطهارة (٣٠٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٦٣).
(٤) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي الطهارة (٣٠٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٠٧).
(٥) سورة المائدة الآية ٣٣ (٤) {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}
(٦) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩)، صحيح مسلم كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠٣٤)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٠٧).
(٧) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي الطهارة (٣٠٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٦٣).
(٨) سورة المائدة الآية ٣٣
(٩) سورة المائدة الآية ٣٤
(١٠) سورة الأنفال الآية ٣٨