للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنوع الربا وحكم كل نوع]

الشح: خلة وضعة وهوان تزري بصاحبها وتجعله نشازا في مجتمعه، يجمع المال ويشح بإنفاقه حتى على مصالح نفسه. وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة في وجوه البر والخير وإغاثة الملهوف وكل ما فيه مصلحة للمجموع. وعلى هذا الاعتبار جاء تحريم الربا والترغيب في البذل ابتغاء كريم الأجر، ونزل القرآن والعرب تتعامل بالربا لتفكك مجتمعهم وانفصام عرى التآلف بينهم، فعندما تنزل الحاجة بأحدهم أو يوصله الفقر بالرغام لا يجد من يسعفه أو يعينه في محنته أو ينقذه من ذل الحاجة إلا بنكبته بالزيادة على ما يقرضه، والمفاضلة بين ما يقبضه ويعيده من مال، وذلك هو الربا الذي جاء الإسلام بتحريمه، وقد أوردنا من آي الكتاب العزيز والسنة المطهرة ما يكفي عن المزيد، بقي أن نوضح نوعية الربا المحرم والذي كانت العرب تتعامل به، جاء في كتاب "أحكام القرآن " قوله: الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد إذا كان متفاضلا من جنس واحد، هذا كان المتعارف المشهور بينهم، ولذلك قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} (١) فأخبر أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال العين لأنه لا عوض لها من جهة المقرض وقال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (٢) إخبارا عن الحال التي خرج عليها الكلام من شرط الزيادة أضعافا مضاعفة، فأبطل الله الربا الذي كانوا يتعاملون به وأبطل ضروبا من البياعات وسماها ربا، فانتظم قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٣) تحريم جميعها لشمول الاسم عليها من طريق الشرع، ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذي ذكرناه من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل


(١) سورة الروم الآية ٣٩
(٢) سورة آل عمران الآية ١٣٠
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٥