للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قتل رأس المنافقين؛ لئلا يقول الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وترك صلى الله عليه وسلم قتله؛ درءا للفتنة كما في قصة الإفك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني في رجل بلغني أذاه في أهلي (١)» إلى آخر الحديث. ومثله امتناعه من قتل حاطب رضي الله عنه؛ لأنه شهد بدرا وغير ذلك، وقد درأ عمر رضي الله عنه حد السرقة عن السارق؛ لظروف اقتضت ذلك، والإمام بحكم ما له من نظر شامل ومسئولية واسعة وإحساس بما يقع في بلاده وما يحيط بها، ولارتباطه بأمور لا يرتبط بها القاضي يكون هو المعني بالتخيير، ومهمة القاضي إثبات جريمة الحرابة، ولذا فإننا نرى ما يلي:

١ - إن الخيار المقصود في الآية معني به الإمام وليس القاضي، وأن الإمام مخير في إيقاع أي العقوبات الأربع شاء من قتل أو صلب حتى الموت، أو تقطيع للأيدي والأرجل من خلاف، أو نفي من الأرض بأن يحبس المحارب حتى يموت في سجنه، وإسناد الاختيار إلى القضاة رغم أنه لم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم، سوف يكون له آثار لا تخدم مصلحة الأمة، ولا يحصل معها زجر المفسدين، فكثيرا ما تصدر الأحكام في قضايا خطيرة بعقوبات خفيفة، وقد عانت السلطة من ذلك الشيء الكثير، وأقرب الأمور أن القضاة -في الأعم الأغلب- سوف يختارون أخف العقوبات إلا في حال حصول قتل من المحاربين، ثم قد يختلفون هل يحكمون بقتل الجميع أو بقتل من حصل منه القتل وحده، وفي ذلك من النتائج التي لا تحمد.

٢ - إن هذا الخيار للإمام في كافة أنواع الحرابة والفساد المنصوص على حكمه في آية المائدة، ولا يستثنى من ذلك كون المحارب قتل أحدا أثناء حرابته، فإذا تحقق للإمام أن عدم قتله أعظم دفعا للمفاسد وأكبر جلبا للمصالح، فله أن يختار عقوبة غير القتل من العقوبات المنصوص عليها في الآية. وعليه في كل ما يختار أن يتقي الله سبحانه، ويقصد في اختياره وجه الله، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن لا يتأثر بشفاعة أحد؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يقبل شفاعة في حد من حدود الله (٢)»، وإذا أشكل على ولي الأمر شيء من ذلك فعليه أن يشاور من يثق بعلمه ودينه وبعد نظره. قال سبحانه وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (٣) وقال جل وعلا: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (٤)، وقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (٥)،


(١) صحيح البخاري الشهادات (٢٦٦١)، صحيح مسلم كتاب التوبة (٢٧٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٩٨).
(٢) صحيح البخاري الحدود (٦٧٨٨)، صحيح مسلم الحدود (١٦٨٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٣٠)، سنن النسائي قطع السارق (٤٩٠٢)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٧٣)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٤٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٠٢).
(٣) سورة الشورى الآية ٣٨
(٤) سورة آل عمران الآية ١٥٩
(٥) سورة الأنبياء الآية ٧