للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل يأكلون كما يأكل الناس، وفيها الحكم بأنهم لا يخلدون في الدنيا، وأهل السنة يؤمنون بذلك، وأن عيسى كغيره من المرسلين يأتي عليه الموت كغيره، إلا أن الكتاب والسنة دلا على أن ذلك بالنسبة له لا يكون إلا بعد نزوله من السماء حكما عدلا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير كما تقدم.

الآية الرابعة: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (١).

الجواب: هذه الجملة وإن كانت عامة، إلا أنها خصصت بالآيات والمعجزات التي أجراها الله على أيدي رسله، وكانت حجة لهم على أممهم في إثبات الرسالة، كانفلاق البحر لموسى اثني عشر طريقا يبسا بضربة عصا، وكإبراء عيسى الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله، إلى غير هذا مما هو كثير معلوم، فرفع عيسى حيا وإبقاؤه قرونا ونزوله بعد ذلك مما استثني من هذا العموم كغيره من خوارق العادات التي هي سنة الله مع رسله، ولا غرابة في ذلك.

الآية الخامسة: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (٢).

الجواب: هذه الآية تثبت العبودية لعيسى عليه السلام، وأن الله أنعم عليه بالرسالة، وليس ربا ولا إلها، وأنه آية على كمال قدرة الله، ومثل أعلى في الخير يقتدى به ويهتدى بهديه فهي شبيهة في مغزاها بالآية الأولى، وليس فيها أي دلالة على تحديد لأجل عيسى عليه السلام، وإنما يؤخذ بيان ذلك وتحديده من نصوص أخرى كما تقدم.

الآية السادسة: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} (٣).

الجواب: جاء في صدر الآية {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (٤)، فكان قوله تعالى: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (٥) ردا على زعمهم أن عيسى عليه السلام هو الله، ببيان أن عيسى وأمه عبدان ضعيفان كسائر خلق الله، لو شاء الله أن يهلكه وأمه ومن في


(١) سورة الأحزاب الآية ٦٢
(٢) سورة الزخرف الآية ٥٩
(٣) سورة المائدة الآية ١٧
(٤) سورة المائدة الآية ٧٢
(٥) سورة المائدة الآية ١٧