للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذكر عموم علمه، وعموم قدرته، وعموم إحاطته، وعموم رؤيته، وذكر أيضا في كتاب " اجتماع الجيوش الإسلامية" عن القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني أنه قال في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (١)، يعني بالحفظ والنصر والتأييد، ولم يرد أن ذاته معهم. قال: وقوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (٢) محمول على هذا التأويل، وقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (٣) يعني أنه عالم بهم وبما خفي من سرهم ونجواهم. انتهى.

وقد أقره ابن القيم على هذا القول، وذلك يدل على الرضى به والموافقة عليه، وفيه رد لما تشبث به المردود عليه من كلام ابن القيم في كتاب (الصواعق المرسلة)، وقد قال ابن القيم في كتاب "الصواعق المرسلة" قبل كلامه الذي نقله المردود عليه بأقل من صفحة: الوجه الثاني: أن الله سبحانه قد بين في القرآن غاية البيان أنه فوق سماواته، وأنه مستو على عرشه، وأنه بائن عن خلقه، وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل من عنده، وأنه رفع المسيح إليه، وأنه يصعد إليه الكلم الطيب إلى سائر ما دلت عليه النصوص من مباينته لخلقه وعلوه على عرشه. وهذه نصوص محكمة فيجب رد المتشابه إليها. انتهى.

قلت: وفي النصوص المحكمة الدالة على علو الله - تبارك وتعالى - فوق سماواته، ومباينته لجميع خلقه أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية؛ لأن هذا القول الباطل يستلزم الحلول مع الخلق في أماكنهم، وذلك من أبطل الباطل.

وأما دنو الرب - تبارك وتعالى - من عباده فهو ثابت في حديث النزول المتفق على صحته، وجاء في حديث مرفوع أن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة، وهذا الحديث وحديث النزول في آخر الليل وغيرهما مما جاء في الصفات وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب الإيمان به، وإمراره كما جاء.

قال الأوزاعي: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث - أي التي جاءت في الصفات - فقالا: أمروها كما جاءت. رواه الخلال في كتاب (السنة)، ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتوى الحموية الكبرى"، وروى الخلال أيضا عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت. وفي رواية فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف.

وقد نقل هذه الرواية أيضا


(١) سورة النحل الآية ١٢٨
(٢) سورة طه الآية ٤٦
(٣) سورة المجادلة الآية ٧