للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القسم الثالث: من جعلوا المعنى المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلا لا يليق بالله، وهو التشبيه، ثم إنهم من أجل ذلك أنكروا ما دلت عليه من المعنى اللائق بالله، وهم أهل التعطيل، سواء كان تعطيلهم عاما في الأسماء والصفات، أم خاصا فيهما أو في أحدهما، فهؤلاء صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معاني عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطرابا كثيرا، وسموا ذلك تأويلا، وهو في الحقيقة تحريف.

ومذهبهم باطل من وجوه:

أحدها: أنه جناية على النصوص؛ حيث جعلوها دالة على معنى باطل، غير لائق بالله ولا مراد له.

الثاني: أنه صرف لكلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظاهرة، والله تعالى خاطب الناس بلسان عربي مبين؛ ليعقلوا الكلام ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بأفصح لسان البشر، فوجب حمل كلام الله ورسوله على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي، غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله عز وجل.

الثالث: أن صرف كلام الله ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه قول على الله بلا علم، وهو محرم لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (١)، ولقوله سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (٢).

فالصارف لكلام الله تعالى ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه، قد قفا ما ليس له به علم، وقال على الله ما لا يعلم من وجهين:

الأول: أنه زعم أنه ليس المراد بكلام الله تعالى ورسوله كذا، مع أنه ظاهر الكلام.

الثاني: أنه زعم أن المراد به كذا لمعنى آخر لا يدل عليه ظاهر الكلام.


(١) سورة الأعراف الآية ٣٣
(٢) سورة الإسراء الآية ٣٦