للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بتعلم اللغات الأعجمية ليبلغوا عنه، فقد أمر زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود ولغة السريان، فكان يبلغ عنه إليهم، ويبلغ عنهم إليه صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أمر عمر بن الخطاب قواد جيوشه باتخاذ التراجمة مع من لم يعرف العربية من شعوب الأقطار التي فتحها المسلمون كفارس، والروم، ومصر، والسودان، وبرقة، وطرابلس. وكان أبو جمرة ترجمانا لعبد الله بن عباس حين كان واليا على البصرة. وكانت دفاتر الخراج ودواوين الأموال تكتب في كل قطر بلغة أهله، ويتولاها كتاب من الفرس أو الروم أو القبط أو غيرهم على حسب ما يقتضيه لسان كل إقليم، واستمر الحال كذلك إلى زمن عبد الملك بن مروان حين كثر من أبناء الموالي من أتقنوا اللغة العربية، ووجد من أبناء العرب من عرفوا ألسنة الأعاجم، فأمر بنقل دواوين الخراج والمحاسبة جميعها في سائر الأقطار إلى اللغة العربية.

إن ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية ما هي في الواقع إلا ترجمة لمعاني الكلمات، وتفسير وتوضيح لمقاصد آيات الكتاب بتلك اللغات على نحو ما يفعل المفسرون باللسان العربي. . فما أقوال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وابن جبير وغيرهم من المفسرين القدامى والمحدثين إلا ترجمة لمعاني القرآن وإيضاح لها، ولذلك سمي ابن عباس ترجمان القرآن. . ومن البدهي الذي لا خلاف فيه أن القرآن لا يمكن أن يسمى قرآنا إلا إذا كان عربيا كما أنزل بنصه ولفظه ولغته.

وإذا كان القرآن قد فسر باللغة العربية، فلقد فسر أيضا بغير اللسان العربي كتفسير العالم المحقق إسماعيل حقي الذي فسره باللغة الفارسية، وكذلك فعل غيره من المفسرين الذين فسروه بلغات مختلفة، وقد أقرهم على هذا العمل علماء الإسلام.

إن ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية أمر لا معدى عنه، لأنه - كما صرح في غير موضع من آياته: ذكر للعالمين فرسالته عامة لجميع الأمم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل {لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (١)، قال صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي (٢)». . إلى أن قال:


(١) سورة الفرقان الآية ١
(٢) صحيح البخاري التيمم (٣٣٥)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٢١)، سنن النسائي الغسل والتيمم (٤٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٠٤)، سنن الدارمي الصلاة (١٣٨٩).