للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبوية، وقد رزق الله الإمام وكيع ذهنا وقادا وذاكرة قوية حتى وصف بأحفظ أهل عصره لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد: كان وكيع مطبوع الحفظ كان حافظا حافظا، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرا وكثيرا (١). وقال: ما رأيت أحفظ من وكيع (٢).

زهده وورعه: تمتاز القرون الأولى الموصوفة بالخيرية والتي تليها باتصاف أهل العلم بالعمل الطيب والسلوك القويم وكان الإمام من أزهد الناس وأورعهم حتى قال الإمام أحمد: ما رأيت أحدا أوعى للعلم من وكيع، ولا أشبه بأهل النسك (٣).

وكان كثير البكاء خشية من الموت، قال ابن معين سمعت وكيعا يقول كثيرا: وأي يوم لنا من الموت، وحدث أنه من شدة بكائه ورقته توقف على حديث ابن عمر: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (٤)» ثلاثة أيام (٥).

خلقه: وكان قواما صواما معتكفا، كثير الصلاة والحج والعمرة، وكان يتعفف عن المسألة ويدعو كثيرا أن يصونه الله عن المسألة، وكان يجتنب الشهرة، وما كان يحب أن يطلع الناس على عبادته، وكان مديم الاشتغال بالعلم والزهد والعبادة.

عقيدته وكفاحه من أجل العقيدة: عاش الإمام وكيع في زمن كثر فيه الكلام حول العقيدة لحدوث فرق مبتدعة في الإسلام، بعد أن كان أصول الأئمة في أصول الدين متفقة، وكان موقف أهل الحديث من هؤلاء المبتدعة وكلامهم موقفا شديدا، لا يخفى على من درس تراجم أهل الحديث والسنة والأثر، فكم من أهل العلم قد ترك كتبا مستقلة أو كلاما في ثنايا مؤلفاته في أمور الدين والعقيدة.

ومن هؤلاء الأئمة الأعلام من حماة العقيدة النافين عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين الإمام وكيع الذي اتخذ موقفا شديدا إزاء الفرق الضالة، فندد بهم وزيف آرائهم، وقد كثرت عنه النقول في مسائل العقيدة مثل خلق القرآن والجهمية وتكفير رئيسهم بشر (٦).


(١) تقدمة الجرح والتعديل (٢٢١).
(٢) سير أعلام النبلاء (٧/ ٤١ / أ).
(٣) تقدمة الجرح والتعديل (٢٢٠).
(٤) صحيح البخاري الرقاق (٦٤١٦)، سنن الترمذي الزهد (٢٣٣٣)، سنن ابن ماجه الزهد (٤١١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٤).
(٥) تاريخ ابن معين برواية الدوري (٢/ ٣٦٢) وزهد وكيع حديث رقم (١١).
(٦) الفتوى الحموية الكبرى، والفتاوى الكبرى (٥/ ١٨٠).