للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولها يقولها تقليدا وعادة، لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلته (١)»، وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم أقرب الناس من قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (٢)، وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرا على ذنب أصلا، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ولا كراهية لما أمر الله، وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت له ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين لا تترك له ذنبا إلا يمحى كما يمحى الليل بالنهار. انتهى كلامه رحمه الله (٣).

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كشف الشبهات: - (٤) ولهم مشبهة أخرى، يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: لا إله إلا الله. وقال: «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله (٥)»، وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل، فيقال لهؤلاء الجهال معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون: لا إله إلا الله، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب، وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال: لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئا من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد شيئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه، ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.


(١) رواه الترمذي بهذا المعنى في كتاب الجنائز.
(٢) سورة الزخرف الآية ٢٢
(٣) تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد ص ٦٦ - ٦٧.
(٤) انظر مجموعة التوحيد ص ١٢٠ - ١٢١.
(٥) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٢)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦٤٣)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٠٠).