للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي غير مجال القصص القرآني نجد توجيها للنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى استلهام الذكرى من حادث عبد الله بن أم مكتوم الذي عبس في وجهه، فقال الله لرسوله بعد عتاب غير يسير: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} (١) {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (٢).

فالتذكر الذي يحمي البشرية من الهوى وينأى بها عن الزلل، والتذكير الذي هو مهمة ورسالة لم يكونا مقصورين على خاتم الأنبياء وحده، فهذا أمر الله لنبيه عيسى عليه السلام بالتذكر، إذ يقول له: {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (٣)، وهذا أمر آخر لنبيه موسى بالتذكير: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (٤)، ويحدثنا القرآن عن عتاب نوح عليه السلام لقومه الذين ساءتهم الدعوة إلى الله والتذكير بآياته: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} (٥).

ويصف الله تعالى أنبياءه إبراهيم وإسحاق ويعقوب بصفة اختصهم بها، وهي تذكرهم لدار الجزاء {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (٦).

فرسل الله جميعا ذكروا فتذكروا، وقاموا بواجب التذكير كما أمرهم الله، وإن لم تنسب إليهم الألفاظ صراحة بهذه الكثرة كخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

(٢) الدعوة إلى التذكر في القرآن ملحة تهز عقول البشر هزا عنيفا، وتزيح أستار الغفلة التي تلقيها عليها بين الحين والحين نوازع النفوس ومغريات الحياة، وذلك ليعود للعقل البشري صفاؤه، فيستجيب لدعوة الله، ويذعن لرسالة الحق، تبدو قوة هذه الدعوة إلى التذكر في الأسلوب التي عرضت به الآيات الداعية إليه، إذ في ستة مواطن من القرآن الكريم وردت الدعوة بهذه الصورة: أفلا تذكرون؟ التي تتضمن


(١) سورة عبس الآية ١١
(٢) سورة عبس الآية ١٢
(٣) سورة المائدة الآية ١١٠
(٤) سورة إبراهيم الآية ٥
(٥) سورة يونس الآية ٧١
(٦) سورة ص الآية ٤٦