للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - نصوا الحديث عن الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله، حتى تناهي أخبارهم. ثم بحثوا أشد البحث، حتى عرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم كتبوا الحديث من عشرين وجها أو أكثر وأجروا عملية المقارنة بين تلك الروايات، حتى وصلوا إلى نتيجة صحيحة دقيقة.

ومن الأمثلة على هذا، ما ذكره مسلم في كتاب التمييز قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حجرا أبا العنبس يقول: حدثني علقمة بن وائل عن وائل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثنا إسحاق، أنا أبو عامر، ثنا شعبة عن سلمة، سمعت حجرا أبا العنبس يحدث عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث.

كلهم عن شعبة عن سلمة عن حجر عن علقمة عن وائل، إلا إسحاق عن أبي عامر، فإنه لم يذكر علقمة. وذكر الباقون كلهم علقمة.

قال مسلم: أخطأ شعبة في هذه الرواية حين قال: وأخفى صوته أي بآمين (١).

٥ - وضعوا أصولا وقواعد لاستعمال السند استعمالا علميا دقيقا، حتى أمكن الوصول إلى نتائج واضحة صريحة حول صحة الأحاديث أو ضعفها، وقد قسموا الإسناد إلى أقسام، وجعلوها على مراتب ودرجات من حيث القبول والرد.

قال شيخ الإسلام: يمكن للناظر المتقن ترجيح بعضها على بعض من حيث حفظ الإمام الذي رجح وإتقانه. وإن لم يتهيأ ذلك على الإطلاق فلا يخلو النظر فيه من فائدة، لأن مجموع ما نقل عن الأئمة من ذلك يفيد ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأهمية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم.

ولذلك نجد المحدثين جعلوا بعض الأسانيد سلسلة ذهبية واختلفت أقوالهم فيها. فمنهم من جعل أصح الأسانيد: أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر. وقيل أصحها مطلقا: الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمرو قيل أصحها:


(١) تدريب الراوي / ٣١، ٣٢.