للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عودة الجاهلية الأولى]

في أوائل القرن الثاني عشر الهجري كانت الجزيرة العربية تغط في جهل عميق، وتسبح في بحر من الظلم والفسق والتغيير والتبديل، فلا ترى أثرا لدعوة ولا لإصلاح مما أفضى بها إلى الشرك كشرك الجاهلية الأولى، فقد كثر الاعتقاد في أشياء كثيرة كالأشجار والأحجار والقبور والأضرحة، والتبرك بها، والنذر لها، والذبح عندها، وطلب الحاجات منها، والتوسل إليها، وتمسح المصابين والمرضى وذوي العاهات بها، ابتغاء الشفاء، تاركين الله جانبا، ناسين كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين، وإذا سألتهم عن ذلك أجابوا بالإجابة التي أجاب بها المشركون الأوائل {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (١) ذلك هو المدخل الذي يدخل منه الشيطان على ابن آدم ليضله عن سبيل الله، وقد صار ذلك بتعاقب الأيام ومر السنين والأسباب في ذلك كثيرة. فقد كانت الأعراب تنزل البلدان وقت الثمار وصار منهم رجال ونساء يطببون ويداوون، فإذا كان في أحد من أهل البلدة مرض أو في أحد أعضائه أتى إلى مطببه فوصف له الدواء بأن يقول له: اذبح في الموضع الفلاني كذا وكذا إما خروفا بهيما أسود وإما تيسا أصمع. ثم يقولون لهم لا تسموا على ذبحه وأعطوا المريض منه كذا وكذا وكلوا منه كذا وكذا واتركوا كذا وكذا. فربما يشفي الله مريضهم فتنة لهم واستدراجا فتكثر الأقاويل وتنتشر بين الناس فيقعون في حبائل الشيطان.


(١) سورة الزمر الآية ٣