للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالجملة كان لهؤلاء فضل تنظيم الدولة ورفع شأن ملكها، مما جعله يتطلع إلى الاستيلاء على ممالك الإسلام، بسبب ما وصفه هؤلاء من محاسنها، فبدأ بقتل المسلمين في مملكته وسبى نساءهم وذراريهم، بما في ذلك أولاد بعض ملوك الحبشة المسلمين، ثم كاتب ملوك الفرنجة يستعديهم على المسلمين في مصر على أن يهاجمها برا من الجنوب ويهاجمونها بحرا (١).

وبقية الحديث في هذا الموضوع يتابعه ابن تغري بردي بتفصيل، فيقول في قصة فتح قبرص وهزيمة الجيوش المسيحية وأسر الملك جنيوس ملك قبرص وتأديب القراصنة الفرنج، ثم ما أعقب ذلك من قيام الحطي ملك الحبشة بمكاتبة ملوك الفرنجة ليقوموا معه بمهاجمة مصر والاستيلاء عليها، ويروي قصة العميل الجاسوس الخواجة نور الدين التبريزي العجمي، يقول ابن تغري بردي: وكان خبره أنه كان أولا من جملة تجار الأعاجم بمصر وغيرها، وكان يجول في البلاد بسبب المتجر على عادة التجار، فاتفق أنه توجه إلى بلاد الحبشة فحصل له بها الربح الهائل المتضاعف، وكان - في نفسه - قليل الدين مع جهل وإسراف، فطلب الزيادة في المال فلم يرم بوصله مراده، إلا أن يتقرب إلى الحطي ملك الحبشة بالتحف، فصار يأتيه بأشياء نادرة لطيفة، من ذلك أنه صار يصنع له الصلبان من الذهب المرصع بالفصوص الثمينة ويحملها إليه في غاية الاحترام والتعظيم كما هي عادة النصارى في تعظيمهم للصليب، وأشياء من هذه المقولة، ثم ما كفاه ذلك حتى أنه صار يبتاع السلاح المثمن من الخوذ والسيوف الهائلة والزرديات والبكاتر بأغلى الأثمان، ويتوجه بها إلى بلاد الحبشة، وصار يهون عليهم أمر المسلمين، ويعرفهم ما المسلمون فيه بكل ما تصل القدرة إليه، فتقرب بذلك من الحطي حتى صار عنده بمنزلة عظيمة. فعند ذلك ندبه الحطي بكتابه إلى ملوك الفرنج عندما بلغه أخذ قبرص وأسر ملكها جنيوس - يحثهم فيه على القيام معه لإزالة دين الإسلام وغزو المسلمين وإقامة الملة العيسوية ونصرتها، وأنه يسير في بلاد الحبشة في البر بعساكره، وأن الفرنج تسير في البحر بعساكرها في وقت معين إلى سواحل


(١) السلوك [٤/ ٢: ٨٣٨ هـ].