للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنصاري. فلما مات حذيفة وكانت الفتنة، خرجت فيمن خرج من الناس، فأتيت أهل ماء، فإذا أنا بفسطاط مضروب متنحى تضربه الرياح، فقلت: لمن هذا الفسطاط؟ قالوا لمحمد بن مسلمة. فأتيته، فإذا هو شيخ. فقلت له: يرحمك الله! أراك رجلا من خيار المسلمين، تركت بلدك ودارك وأهلك وجيرتك، قال: " تركته كراهية الشر، ما في نفسي أن تشتمل على مصر من أمصارهم حتى تنجلي عما انجلت " (١).

وقد روى محمد بن مسلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه سيفا وقال له: " قاتل به المشركين ما قوتلوا، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا، فائت به " أحدا " فاضرب به حتى ينكسر، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية " (٢).

وروى محمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه سيفا فقال: «يا محمد بن مسلمة! جاهد بهذا السيف في سبيل الله، حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين تقتتلان، فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك، حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة (٣)»، فلما قتل عثمان، وكان من أمر الناس ما كان، خرج إلى صخرة في فنائه، فضرب الصخرة بسيفه حتى كسره (٤).

وذكر محمد بن مسلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره باعتزال الفتنة، (٥) فاتخذ سيفا من خشب (٦) قد نحته وصبره في الجفن معلقا بالبيت، وقال: " إنما علقته أهيب به ذاعرا " (٧).

وهكذا تقاعد محمد بن مسلمة، فكسر سيفه الذي يقاتل به. حين أصبحت سيوف أكثر المسلمين تقاتل المسلمين ولا تقاتل أعداءهم، وأصبح سيفه من


(١) طبقات ابن سعد (٣/ ٤٤٤ - ٤٤٥).
(٢) طبقات ابن سعد (٣/ ٤٤٤) والإصابة (٦/ ٦٣).
(٣) سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٦٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٢٥).
(٤) طبقات ابن سعد (٣/ ٤٤٥) وانظر الإصابة (٦/ ٦٣).
(٥) الاستيعاب (٣/ ١٣٧٧) والبداية والنهاية (٨/ ٢٧).
(٦) البداية والنهاية (٨/ ٢٧).
(٧) طبقات ابن سعد (٣/ ٤٤٥)، غمد السيف.