للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل وجه لم يبتدع، ورحم الله الإمام مالكا حيث قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (١) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.

٣ - أن المبتدع معاند للشارع محاد له لأن الشارع حدد للعباد طرقا خاصة وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها وأن الشر في تعديها؛ لأن الله سبحانه يعلم ونحن لا نعلم وأنه إنما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين والمبتدع راد لهذا كله فهو يزعم أن ثم طرقا أخر وليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين فكأن الشارع يعلم والمبتدع يعلم بل ربما يفهم من هذا الابتداع أن المبتدع يعلم ما لم يعلم الشارع.

وهذا إن كان مقصودا للمبتدع فهو كفر في الشريعة والشارع وإن كان غير مقصود فهو ضلال مبين.

٤ - أن المبتدع من حيث يدري أو لا يدري قد جعل نفسه مضاهيا للشارع؛ لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها وصار هو المنفرد بذلك؛ لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون وإلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع ولم يبق الخلاف بين الناس ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم السلام. والمبتدع قد صير نفسه للشارع نظيرا ومضاهيا حيث شرع مع الشارع، وفتح للاختلاف بابا ورد قصد الشارع بالانفراد بالتشريع وكفى بهذا مخالفة للدين (٢).


(١) سورة المائدة الآية ٣
(٢) انظر الاعتصام ٤٦/ ١ وما بعدها.