للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم، وخالف قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (١)؛ فإنه لا يجوز أن يقال: إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم، ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء، وأفضل القرون بنص الرسول -صلى الله عليه وسلم- المخرج في الصحيحين، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة، وأشد افتقارا إليها ممن قبلهم، ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص، فهي عامة لجميع الأمة في عهده -صلى الله عليه وسلم- وبعده إلى يوم القيامة؛ لأنه سبحانه بعث رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة، كما قال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (٢)، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (٣)، وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله، كما قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (٤)، وقال عز وجل: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (٥) الآية، وكان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم، ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته، بل كان النساء في مسجده -صلى الله عليه وسلم- يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم-: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها (٦)» حذرا من افتتان


(١) سورة الأحزاب الآية ٥٣
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٨
(٣) سورة سبأ الآية ٢٨
(٤) سورة إبراهيم الآية ٥٢
(٥) سورة الأنعام الآية ١٩
(٦) صحيح مسلم الصلاة (٤٤٠)، سنن الترمذي الصلاة (٢٢٤)، سنن النسائي الإمامة (٨٢٠)، سنن أبو داود الصلاة (٦٧٨)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٤٠)، سنن الدارمي الصلاة (١٢٦٨).