للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى قوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} (١) أي: لا يلمز بعضكم بعضا، واللمز العيب، ثم قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (٢). الآية. فأمر سبحانه باجتناب كثير من الظن وأخبر أن بعضه إثم، وهو الظن الذي لا دليل عليه، ولا أمارة شرعية ترشد إليه، ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث (٣)».

وهذا كله لا يمنع نصيحة من أخطأ من أهل العلم أو الدعاة إلى الله في شيء من عمله أو دعواه أو سيرته بل يجب أن يوجه إلى الخير، ويرشد إلى الحق بأسلوب حسن، لا باللمز وسوء الظن والأسلوب العنيف؛ فإن ذلك ينفر من الحق أكثر مما يدعو إليه، ولهذا قال عز وجل لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى أكفر الخلق في زمانه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (٤). وأخبر الله عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- بما جبله عليه من الرفق والحكمة واللين واللطف في الدعوة، فقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (٥). الآية. وأمره سبحانه أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٦). وهذا الأمر ليس خاصا به - صلى الله عليه وسلم - بل هو موجه إليه وإلى جميع علماء الأمة وإلى كل داع يدعو إلى حق؛ لأن أوامر الله سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم- لا تخصه بل تعم الأمة جميعا، إلا ما قام الدليل على أنه خاص به، ولقول الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٧). الآية ولقوله عز.


(١) سورة الحجرات الآية ١١
(٢) سورة الحجرات الآية ١٢
(٣) صحيح البخاري النكاح (٥١٤٤)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٦٣)، سنن الترمذي البر والصلة (١٩٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٦٥)، موطأ مالك الجامع (١٦٨٤).
(٤) سورة طه الآية ٤٤
(٥) سورة آل عمران الآية ١٥٩
(٦) سورة النحل الآية ١٢٥
(٧) سورة الأحزاب الآية ٢١