للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر جائز أو مستحب فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه، فالأول: كمن يعقد النكاح قاصدا به الربا، أو يعقد البيع قاصدا به الربا، أو يخالع قاصدا به الحنث ونحو ذلك.

والثاني: كمن يصلي تطوعا بغير سبب في أوقات النهي، أو يسب أرباب المشركين بين أظهرهم، أو يصلي بين يدي القبر لله. ونحو ذلك، ثم هذا القسم من الذرائع نوعان: أحدهما: أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته. والثاني: أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته.

فهاهنا أربعة أقسام: الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة. الثاني: وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة. الثالث: وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها. الرابع: وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها.

فمثال القسم الأول والثاني قد تقدم، ومثال الثالث: الصلاة في أوقات النهي ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم. وتزين المتوفى عنها في زمن عدتها. وأمثال ذلك، ومثال الرابع النظر إلى المخطوبة والمستامة والمشهود عليها ومن يطؤها (١) ويعاملها. وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وكلمة الحق عند ذي سلطان جائر ونحو ذلك. فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجاته في المصلحة. وجاء بالمنع من القسم الأول كراهة أو تحريما بحسب درجاته في المفسدة. بقي النظر إلى القسمين الوسط: هل هما مما جاءت الشريعة بإباحتهما أو المنع منهما فنقول:

الدلالة على المنع من وجوه:

الوجه الأول: قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (٢) فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين - مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم- لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى. وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه


(١) قوله: يطؤها. كذا في الأصل، والصواب: يطبها.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٠٨