للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وألبسته حلة، فلما رآه عمر قال: الحمد لله الذي وفق ذا الرقعتين. فدخل عليه، وقال: أتطلق امرأتك؟ قال: لا والله لا أطلقها. قال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط.

وجه الاستدلال: أن هذا نكاح تقدم فيه الشرط على العقد، ولم ير به عمر بأسا.

نوقش هذا الدليل بما يلي: ما ذكروه من قصة ذي الرقعتين، وأن عمر هدده لو طلقها معارض بما ثبت عن عمر - رضي الله عنه - أنه خطب على المنبر وقال: لا أوتى بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما. وهذا روي بإسناد جيد، وما روي من قصة ذي الرقعتين فهذا لا سند له، وما لا سند له لا يعارض ما له سند. وسنذكر في أدلة القائلين ببطلان نكاح المحلل أوجه تخريج هذه القصة من وجوه عدة.

وبعد هذه المناقشة لأدلة القائلين بصحة نكاح التحليل ظهر لنا ضعفها وقصورها، وأنه لا يمكن الأخذ بها؛ لما ورد عليها من مناقشات وأجوبة مقنعة. ومن ثم فلا يجوز الأخذ بهذا الرأي، وإنما يتعين الأخذ بما ذهب إليه الجمهور، وهو القول ببطلان نكاح التحليل، الذي تبناه الإمام العلامة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية - رضي الله عنه - المتوفى عام ثمان وعشرين وسبعمائة للهجرة، ودافع عنه دفاعا قويا، وساق من الحجج والبراهين على بطلان هذا الموضوع من الأنكحة ما لا يتسع له المقام، وقد ألف - رضي الله عنه - كتابا سماه "إقامة الدليل على إبطال التحليل" وهو كتاب فريد في موضوعه، حيث لم يصنف في هذه المسألة مثله لا قبله ولا بعده، وقد استوفى - رضي الله عنه - أدلة إبطال الحيل في الدين عموما والتحليل خصوصا عقلا ونقلا، وتطبيقا على الأصول من وجوه عدة، وقد جاء في مائتين وأربع وستين صفحة في الجزء الثالث من الفتاوى الكبرى طبعة الكردي سنة (١٣٢٨ هـ). وقد اطلعنا على نسخة خطية من الكتاب في مكتبة المدينة العلمية العامة بالمدينة المنورة تحت رقم عام (١٠) ورقم خاص (٢٥٧) وعدد أوراقه (١٨٠) طول (٣١) وعرض (٢٢) نسخ السيد محمد، سنة (١٢١٨ هـ). فيمكن لمن أراد المزيد من المعرفة الرجوع إلى هذا الكتاب القيم.