للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن هذه المحبة يجب أن تكون في الإطار الصحيح الذي جعله الله فيه بعيدا عن الغلو والتفريط فكأن أولئك الغلاة والمفرطين لم يسمعوا حديث عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (١)». وأي غلو أعظم من قول القائل:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند نزول الحادث العمم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

ترى ماذا ترك لله بعد أن جعل جميع الكون بما فيه علم اللوح والقلم من إيجاد البشر. إن شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم غنية عن هذا الإطراء وحسبه فخرا أن الله اختاره ليكون رحمة للعالمين وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهذه المنزلة وإن كانت أشرف منزلة ينالها مخلوق إلا أن ذلك لا يخرجه عن كونه بشرا تجري عليه السنن الكونية التي تجري على البشر من الولادة والحياة والموت وغير ذلك من سنن الله في البشر، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (٢).

إن هؤلاء الغلاة قد أساءوا كل الإساءة إلى شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يلفقونه من الأحاديث الكاذبة والأخبار الزائفة التي تجعله في مصاف الإله، مما فتح ثغرة ينفذ منها أعداء الإسلام والمسلمين إلى السخرية من الإسلام والطعن في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إننا نعتز كل الاعتزاز بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيد ولد آدم ونعتز بتلك المعاني الحية والمبادئ القيمة التي جاء بها من عند الله، لكن يجب


(١) رواه البخاري في باب (واذكر في الكتاب مريم).
(٢) سورة الكهف الآية ١١٠