للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاعدة التطهير للمياه وعدم الفرق بين المياه والمائع، والجواب على شبهة من فرق بينهما قال: إذا عرف أصل هذه المسألة فالحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها كالخمر لما كان الموجب لتحريمها ونجاستها هي الشدة، فإذا زالت بفعل الله تعالى طهرت، بخلاف إذا زالت بقصد الآدمي على الصحيح، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا تأكلوا خل خمر إلا خمرا بدأ الله بفسادها، ولا جناح على مسلم أن يشتري خل خمر من أهل الكتاب إذا لم يعلم أنهم تعمدوا فسادها؛ وذلك لأن اقتناء الخمر محرم فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرما، والفعل المحرم لا يكون سببا للحل والإباحة. وأما إذا اقتناها لشربها واستعمالها خمرا فهو لا يريد تخليلها، وإذا جعلها الله خلا كان معاقبة له بنقيض قصده، فلا يكون في حلها وطهارتها مفسدة، وأما سائر النجاسات فيجوز التعمد لإفسادها لأن إفسادها ليس بمحرم كما لا يحد شاربها؛ لأن النفوس لا يخاف عليها بمقاربتها المحظور كما يخاف من مقاربة الخمر؛ ولهذا جوز الجمهور أن تدبغ جلود الميتة، وجوزوا أيضا إحالة النجاسة بالنار وغيرها. والماء لنجاسته سببان: (أحدهما) متفق عليه، والآخر مختلف فيه، فالمتفق عليه التغير بالنجاسة، فمتى كان الموجب لنجاسته التغير فزال التغير كان طاهرا كالثوب المضمخ بالدم إذا غسل عاد طاهرا - (والثاني) القلة فإذا كان الماء قليلا ووقعت فيه نجاسة ففي نجاستة قولان للعلماء: فذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه أنه ينجس ما دون القلتين - وأحمد في الرواية المشهورة عنه يستثني البول والعذرة المائعة، فيجعل ما أمكن نزحه نجسا بوقوع ذلك فيه - ومذهب أبي حنيفة ينجس ما وصلت إليه الحركة - ومذهب أهل المدينة وأحمد في الرواية الثالثة أنه لا ينجس ولو لم يبلغ قلتين، واختار هذا القول بعض الشافعية كإحدى الروايات. وقد نصر هذه الرواية أصحاب الشافعي كما نصر الأول طائفة كثيرة من أصحاب أحمد، لكن طائفة من أصحاب مالك قالوا إن قليل الماء ينجس بقليل النجاسة، ولم يحدوا ذلك بقلتين. وجمهور أهل المدينة أطلقوا القول، فهؤلاء لا ينجسون أشياء إلا بالتغير ومن سوى بين الماء والمائعات كإحدى الروايتين عن أحمد، وقال بهذا القول الذي هو رواية عن أحمد قال في المائعات كذلك كما قاله الزهري وغيره فهؤلاء لا ينجسون شيئا