للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في رسالة القضاء المشهورة أن القاضي ينقض جميع ما بان له خطؤه سواء أكان الحكم مبنيا على اجتهاد أم على نص صريح. قال ابن قدامة: [وحكي عن أبي ثور وداود أنه ينقض جميع ما بان له خطؤه؛ لأن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى أبي موسى: " لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت نفسك فيه اليوم فهديت لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"؛ ولأنه خطأ فوجب الرجوع عنه كما لو خالف الإجماع، وحكي عن مالك أنه وافقهما في قضاء نفسه] (١).

كما فهم بعض آخر من العلماء - رحمهم الله تعالى - من كلام عمر نفسه - أو نقول لقد جمع بين كلام عمر في هذه الرسالة وبين الروايات الأخرى عنه - على أنه لا ينقض ما حكم به، وإنما إذا ظهر له رأي آخر غير ما قضى به، فإنه يعمل به مستقبلا ولا يصر على الأول؛ لأنه قد فعل ذلك (٢).

يقول ابن القيم في شرح كلام عمر: [يريد أنك إذا اجتهدت في حكومة ثم وقعت لك مرة أخرى، فلا يمنعك الاجتهاد الأول من إعادته، فإن الاجتهاد قد يتغير، ولا يكون الاجتهاد الأول مانعا من العمل بالثاني، إذا ظهر أنه الحق، فإن الحق أولى بالإيثار؛ لأنه قديم سابق على الباطل، فإن كان الاجتهاد الأول قد سبق الثاني، والثاني هو الحق فهو أسبق من الاجتهاد الأول؛ لأنه قديم سبق على ما سواه، ولا يبطله وقوع الاجتهاد الأول على خلافه، بل الرجوع إليه أولى من التمادي على الاجتهاد الأول] (٣).

والذي يترجح أن المسائل الاجتهادية إذا حكم فيها بحكم لا ينقضه، وإذا تجدد له اجتهاد آخر فإنه يحكم به في القضايا اللاحقة.

أما القضايا المنصوص عليها في الكتاب والسنة أو أجمع عليها فإنه إذا


(١) المغنى جـ ٩ ص ٥٦.
(٢) تأريخ القضاء في الإسلام لمحمود عرنوس ص ٢٩.
(٣) إعلام الموقعين جـ ١ ص ١١٩.