للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الأول: نشأة المكتبة وتطورها

:

اشتهرت الأسرة الأموية بحبها للعلم وإكبارها للعلماء، ويظهر ذلك واضحا منذ أن وطئت أقدامهم أرض الأندلس، فكان عبد الرحمن الداخل (١٣٨ هـ ٧٥٦ م) - وهو أول أمير أموي - معروفا باتساع ثقافته وحسن قريضه للشعر وتقربه من العلماء، وقد اتخذ من قرطبة دارا لإمارته وقام بتجميلها وإحاطتها بسور كبير، وشيد بها المباني الضخمة والحمامات والفنادق، وانبنى بظاهرها قصر الرصافة (١) وبرزت قرطبة بدورها الحضاري وغشيها العلماء والأدباء من كل بلد.

ونهج الأمراء الأمويون من بعده نفس النهج في عنايتهم بالعلم والأدب ونشر الثقافة الإسلامية بين شعوبهم، فقد أشار ابن سعيد إلى أن مكتبة كبرى للأمويين أسست في قرطبة في عهد الأمير عبد الرحمن بن الحكم " الأوسط " (٢٠٦ هـ - ٨٢١ م) وقد زودها بكتب كثيرة اشتراها من المشرق الإسلامي (٢)، وعلى ما يبدو أن هذه المكتبة كانت النواة الأولى لمكتبة الخلافة الأموية الكبرى في قرطبة، والتي تألقت في القرن الرابع الهجري.

ولا غرو أن تتألق مكتبة الأمويين في هذه الحقبة التاريخية ويبرز دورها الحضاري واضحا، وقد أولاها الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم جل اهتمامهما وعظيم رعايتهما، فإن شغفهما الكبير بجمع الكتب قد طبقت الآفاق ووصلت إلى مسامع الناس في كل مكان. فها هو الإمبراطور " قسطنطين " السابع حاكم بيزنطة لم يجد شيئا يتقرب به إلى قلب الناصر حينما عزم على عقد معاهدة معه سوى أن يهديه كتابا جديدا لم يعرفه من قبل، وهو كتاب " ديوسقوريدس " في الطب، وجاءت رسله إلى قرطبة تحمل ذلك الكتاب في مجلد جميل مكتوبا باللغة الإغريقية، وقد ذهبت حروفه، وزينت صفحاته بالرسوم الجميلة لبعض النباتات والأشجار التي ورد ذكرها في الكتاب، ولم يكتف إمبراطور بيزنطة بذلك، بل أوفد بعد ذلك " نقولا الراهب " ليقوم بترجمته من اللغة الإغريقية إلى اللغة العربية (٣).


(١) د / أحمد شلبي موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية جـ ٤ ط ٦ ص ٤١.
(٢) ابن سعيد. المغرب في حلي المغرب جـ ١ ص ٤٤ - ٣٥٢.
(٣) - خوليان ريبيرا. التربية الإسلامية في الأندلس. ترجمة الطاهر أحمد مكي دار المعارف ص ١٩٠.