للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظام الإمارة وإعلان الخلافة الأموية، وبذلك أظهر استقلال بلاده وانفصالها سياسيا عن الخلافة العباسية في بغداد، واستتبع ذلك أن يبرز شخصية بلاده العلمية في إطار مستقل عن المشرق الإسلامي، فنرى الناصر يكلف العالم الأندلسي " مطرف بن عيسى الغساني " أن يؤلف كتابا عن كور الأندلس فيؤلف له كتاب " المعارف في أخبار كورة البيرة وأهلها وبوائرها وأقاليمها وغير ذلك من منافعها " (١).

ثم ينحى التأليف بعد ذلك منحى جديدا، وتظهر بعض الكتب الأندلسية التي تعارض الكتب المشرقية، فنرى ابن فرج الجياني الأديب الأندلسي المعروف يؤلف كتابا سماه (الحدائق) عارض فيه كتاب (الزهرة) لابن داود الأصفهاني، وكان كتاب ابن داود يتكون من مائة باب في كل باب مائة بيت من الشعر، أما كتاب الجياني فقد جاء في مائتي باب، في كل باب مائتا بيت من الشعر ليس في أبوابه تكرار، وكل أشعاره من شعر الأندلسيين، وقد أثنى عليه ابن حزم قائلا: " أحسن الاختيار ما شاء، وأجاد فبلغ الغاية، فأتى الكتاب فردا في معناه " (٢).

ثم تظهر النزعة القومية في التأليف، وتظهر بعض المؤلفات الخاصة بتاريخ بني أمية في المشرق والمغرب، فنرى الخليفة الحكم المستنصر يكلف عبد الله بن محمد بن الصفار الأديب الأندلسي أن يؤلف في أشعار خلفاء بني أمية على غرار كتاب الصولي الذي ألفه في أشعار بني العباس، ويهتم الخليفة الأموي بهذا الأمر اهتماما بالغا، إلى درجة أنه أمر بأن يفرد له مكان في دار الخلافة المطلة على النهر، وانكب ابن الصفار على دراسة أشعار بني العباس أولا، ثم قام بتأليف الكتاب الذي كلف به في مجلد صالح، ثم خرج به الحاجب إلى الحكم فسر به سرورا عظيما (٣).

وكانت لسياسة الأمويين تجاه أعدائهم الفاطميين في الشمال الأفريقي أثرها الواضح في برمجة التأليف، فكان الخليفة الناصر يخشى أن تتسرب مبادئ التشيع إلى بلاده، وتعدد الفرق المذهبية بها، وتصاب الأندلس من جراء ذلك بتمزق جبهته الداخلية، التي وحدها المذهب المالكي، مذهب أهل السنة والجماعة في هذه


(١) ابن بشكوال. الصلة. ترجمة رقم ١٣٦٧.
(٢) الضبي. بغية الملتمس. . ترجمة رقم ٣٣١.
(٣) الضبي. بغية الملتمس. . ترجمة رقم ٣٣١.