للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفة مستحسنة مستعذبة لم أسمعها من غيره ثم يشرع فيفتح الله عليه إيراد علوم وغوامض ولطائف ودقائق وفنون ونقول واستدلالات بآيات وأحاديث وأقوال العلماء ونقد بعضها وتبيين صحته أو تزييف بعضها وبإيضاح حجته واستشهاد بأشعار العرب وربما ذكر ناظمها، وهو مع ذلك يجري كما يجري السيل ويفيض كما يفيض البحر، ويصير منذ يتكلم إلى أن يفرغ كالغائب عن الحاضرين مغمضا عينيه من غير تعجرف ولا توقف ولا لحن بل فيض إلهي حتى يبهر كل سامع وناظر فلا يزال كذلك إلى أن يصمت، وكنت أراه حينئذ كأنه قد صار بحضرة من يشغله عن غيره، ويقع عليه إذ ذاك من المهابة ما يرعد القلوب ويحير الأبصار والعقول - وكان لا يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا ويصلي ويسلم عليه، ولا والله ما رأيت أحدا أشد تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحرص علما اتباعه ونصر ما جاء به منه، حتى إذا كان أورد شيئا من حديثه في مسألة ويرى أنه لم ينسخه شيء غيره من حديثه يعمل به ويقضي ويفتي بمقتضاه، ولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائنا من كان، وقال رضي الله عنه: كل قائل إنما يحتج لقوله لا به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا فرغ من درسه يفتح عينيه ويقبل على الناس بوجه طلق بشيش وخلق دمث كأنه لقيهم حينئذ، وربما اعتذر إلى بعضهم من التقصير في المقال مع ذلك الحال، ولقد كان درسه الذي يورده حينئذ قدر عدة كراريس. وهذا الذي ذكرته من أحوال درسه أمر مشهور يوافقني عليه كل حاضريه وهم بحمد الله خلق كثير لم يحصر عددهم علماء ورؤساء وفضلاء من القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء وغيرهم من عوام المسلمين. . . انتهى كلام البزار في كتابه الأعلام العلية.