للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صدق شاعريته]

تعمل البيئات عملها في خلق الأديب وتكوين شاعريته، والشاعر الصادق هو ابن بيئته التي تحيط به، وتؤثر فيه، فتلهمه حيث يستلهمها، ويفي لها فيترجم عنها، وتصدق ترجمته كلما صدق تأثره فالبدوي الذي تشد بصره المفاوز الواسعة ويلمح سماءها الصافية أو الماطرة ونجومها الزاهرة، وأرضها المقفرة، أو وديانها المعشبة، وآكامها الصخرية، وجبالها الشامخة وكهوفها وأغوارها السحيقة، ويبصر فوق رمالها الظباء السوائح، وفي سفوح جبالها ووديانها الإبل والأغنام ذلك الذي يبصر كل ذلك خليق به أن يفتن في تصوير ما حوله، وما يلم به بصره، وأن ينتزع صوره من ذلك المحيط حتى يكون بارا ببيئته، وأن يصدق عليه أنه وليدها الذي يحكي عنها حتى يلائم قوله أمزجة قومه وما يألفون من الصور وهو حين يفعل ذلك يكون الترجمان الصادق في تعبيره، والمصور المبدع في تصويره.

وشاعر الريف الزاهر الذي يعيش بين أحضان الطبيعة الطبيعية يستلهم جمال الورود وشدو الطيور، وخرير الجداول وفضي النهر في الليل المقمر، وذهبي الجدول عند الأصيل فيلهمه كل ذلك فيضا من الإحساس بالجمال يحكيه شعرا، ويرسله ترانيم شادية مثل ذلك الشاعر عملت فيه بيئته عملها فتجاوب معها وعبر عنها وكأنه الوتر العازف معها في ألحان الحياة.