للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن نظر من استعان بهم من ملائكة أو جن أو إنس في جلب نفع أو دفع ضر نوع من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا لمن تاب منه؛ لأن هذا النوع من الاستعانة قربة وعبادة، وهي لا تجوز إلا لله خالصة لوجهه الكريم. ومن أدلة ذلك ما علم الله عباده أن يقولوه في آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (١)، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (٢) وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (٣) الآية. وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (٤) أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك. وما ثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (٥)». وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث معاذ: «وحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (٦)». وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار (٧)». أما الاستعانة بغير الله فيما كان في حدود الأسباب العادية التي جعلها الله إلى الخلق وأقدرهم على فعلها، كالاستعانة بالطبيب في علاج مريض وبغيره، وإطعام جائع، وسقي عطشان، وإعطاء غني مالا لفقير، وأمثال ذلك، فليس بشرك بل هو من تعاون الخلق في المعاش وتحصيل وسائل الحياة، وهكذا لو استعان بالأحياء الغائبين بالطرق الحسية كالكتابة والإبراق والمكالمة الهاتفية ونحو ذلك.

وأما حياة الأنبياء والشهداء وسائر الأولياء فحياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله، وليست كالحياة التي كانت لهم في الدنيا، وبهذا يتبين أن الحق مع الفرقة الأولى التي قالت: إن الاستعانة بغير الله على ما تقدم شرك. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.


(١) سورة الفاتحة الآية ٥
(٢) سورة الإسراء الآية ٢٣
(٣) سورة البينة الآية ٥
(٤) سورة الجن الآية ١٨
(٥) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٠٨).
(٦) صحيح البخاري الجهاد والسير (٢٨٥٦)، صحيح مسلم الإيمان (٣٠)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦٤٣)، سنن أبو داود الجهاد (٢٥٥٩)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٣٨).
(٧) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٤٩٧)، صحيح مسلم الإيمان (٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٤٣).