للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في حكم المسجد لما وضعنا نعبر عن الحرم بالمسجد وعن الحج بالحرم، ويدل على أن المراد بالمسجد منها الحرم قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (١) ومعلوم أن ذلك بالحديبية وهي على شفير الحرم، وذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن بعضها من الحل وبعضها من الحرم، فأطلق الله تعالى عليها أنها عند المسجد الحرام، وإنما هي عند الحرم، وإطلاقه تعالى اسم الجنس على المشركين يقتضي اجتنابهم وترك مخالطتهم إذا كانوا مأمورين باجتناب الأنجاس، وقوله تعالى: {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (٢) قال قتادة: ذكر أن المراد العام الذي حج فيه أبو بكر الصديق فتلا علي سورة براءة وهو لتسع مضين من الهجرة وكان بعده حجة الوداع سنة عشر (٣).

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّه} (٤) عمارة المسجد تكون بمعنيين أحدهما زيارته والسكون فيه، والآخر ببنائه وتجديد ما استرم منه وذلك لأنه يقال: اعتمر إذا زار، ومنه العمرة لأنها زيارة البيت وفلان من عمار المساجد إذا كان كثير المضي إليها والسكون فيها، وفلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه له، فاقتضت الآية منع الكفار من دخول المساجد ومن بنائها وتولي مصالحها والقيام بها لانتظام اللفظ للأمرين (٥).

٣ - ذكر عن الزهري أن أبا سفيان بن حرب كان يدخل المسجد في الهدنة وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (٦) الآية.


(١) سورة التوبة الآية ٧
(٢) سورة التوبة الآية ٢٨
(٣) أحكام القرآن للجصاص ج٤ ص٢٧٨، ٢٧٩، ٢٨١ المتوفى سنة ٣٧٠ هـ.
(٤) سورة التوبة الآية ١٧
(٥) أحكام القرآن للجصاص ج٤ ص٢٧٨، المتوفى سنة ٣٧٠هـ
(٦) سورة التوبة الآية ٢٨