للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (١) هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة، وقيل: المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات وهو مذهب الشافعي، وقيل: المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٢) الآية، وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (٣) الآية، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب، حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري قال: نزلت هذه الآية: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (٤) قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٥) فنكح الناس نساء أهل الكتاب، وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى، ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية الكريمة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٦) فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (٧) إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (٨) وكقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} (٩) الآية، انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) سورة التوبة الآية ٢٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢١
(٤) سورة البقرة الآية ٢٢١
(٥) سورة المائدة الآية ٥
(٦) سورة المائدة الآية ٥
(٧) سورة البقرة الآية ٢٢١
(٨) سورة البينة الآية ١
(٩) سورة آل عمران الآية ٢٠