للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسكرا، وإنما كان الذي تنازع فيه الصحابة هو ما نبذ في الأوعية الصلبة، «فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الانتباذ في الدباء -وهو القرع - وفي الحنتم -وهو ما يصنع من التراب من الفخار- ونهى عن النقير -وهو الخشب الذي ينقر- ونهى عن المزفت -وهو الظرف المزفت- وأمرهم أن ينتبذوا في الظروف الموكاة (١)» وهو أن ينقع التمر أو الزبيب في الماء حتى يحلو، فيشرب حلوا قبل أن يشتد، فهذا حلال باتفاق المسلمين. ونهاهم أن ينتبذوا هذا النبيذ الحلال في تلك الأوعية؛ لأن الشدة تدب في الشراب شيئا فشيئا، فيشربه المسلم وهو لا يدري أنه قد اشتد فيكون قد شرب محرما، وأمرهم أن ينتبذوا في الظرف الذي يربطون فمه؛ لأنه إن اشتد الشراب انشق الظرف فلا يشربون مسكرا.

والنهي عن " نبيذ الأوعية القوية " فيه أحاديث كثيرة مستفيضة، ثم روي عنه إباحة ذلك، كما في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا - مسكرا (٢)» وفي رواية: «نهيتكم عن الظروف، وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام (٣)»، فمن الصحابة والتابعين من لم يثبت عنده النسخ فأخذ بالأحاديث الأول. ومنهم من اعتقد صحة النسخ فأباح الانتباذ في كل وعاء، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي. والنهي عن بعض الأوعية قول مالك. وعن أحمد روايتان.

فلما سمع طائفة من علماء الكوفة أن من السلف من شرب النبيذ ظنوا أنهم شربوا المسكر: فقال طائفة منهم: الشافعي، والنخعي وأبي حنيفة، وشريك وابن أبي ليلى، وغيرهم يحل ذلك، كما تقدم وهم في ذلك مجتهدون، قاصدون للحق، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر (٤)».


(١) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٦٦)، موطأ مالك كتاب الضحايا (١٠٤٨).
(٢) صحيح مسلم الأشربة (٩٧٧)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٩٨)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٥٩).
(٣) صحيح مسلم الأشربة (٩٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٥٩).
(٤) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٣٥٢)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٦)، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٧٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٤).