للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال سبحانه في أول سورة الدخان: {حم} (١) {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (٢) {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (٣) {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (٤) {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (٥) {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٦). وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (٧) {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (٨) {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (٩) {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (١٠) {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (١١).

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم له من ذنبه (١٢)». متفق على صحته. وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير.

وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده، فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، «وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان (١٣)»، وأن أوتار العشرة أرجى من غيرها: فقال عليه الصلاة والسلام: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر (١٤)»، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن هذه الليلة متنقلة في العشر. وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع: فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله به أهلها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان


(١) سورة الدخان الآية ١
(٢) سورة الدخان الآية ٢
(٣) سورة الدخان الآية ٣
(٤) سورة الدخان الآية ٤
(٥) سورة الدخان الآية ٥
(٦) سورة الدخان الآية ٦
(٧) سورة القدر الآية ١
(٨) سورة القدر الآية ٢
(٩) سورة القدر الآية ٣
(١٠) سورة القدر الآية ٤
(١١) سورة القدر الآية ٥
(١٢) صحيح البخاري الصوم (١٩٠١)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (٧٦٠)، سنن الترمذي الصوم (٦٨٣)، سنن النسائي الصيام (٢٢٠٢)، سنن أبو داود الصلاة (١٣٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٤١)، سنن الدارمي الصوم (١٧٧٦).
(١٣) سنن الترمذي كتاب الصوم (٧٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٥٠).
(١٤) صحيح البخاري الاعتكاف (٢٠٢٧)، صحيح مسلم الصيام (١١٦٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٧٤).