للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفرق بين المعجزة والكرامة]

إن الله تعالى لم يؤيد رسله بما أيّدهم به من المعجزات إلا لتكون حجة لهم على أقوامهم يهدى بها المستعد للهداية، وتحق بها الكلمة على الجاحدين المعاندين فتقع عليهم العقوبة، وذلك لا يكون إلا بإظهارها، فهو واجب لإتمام تبليغ الدعوة التى أرسلوا لتبليغها. وما كان الأنبياء يدعون الله تعالى بشيء من خوارق العادات غير ما يؤيدهم به من الآيات الدالة على صدقهم فى دعوى الرسالة إلا لضرورة كالاستسقاء.

وكان خاتمهم وأكرمهم على الله تعالى يصبر هو وأهل بيته وأصحابه على المرض والجوع والعطش، ولا يدعو لهم صلّى الله عليه وسلّم بما يزيل ذلك إلا نادرا. وقد سألته المرأة التى كانت تصرع أن يدعو الله لها بالشفاء فأرشدها إلى أن الصبر على مصيبتها خير لها، فشكت إليه أنها تتكشف عند النوبة وسألته أن يدعو لها ألا تتكشف فدعا لها واستجاب الله دعاءه.

وكان المشركون يقترحون عليه الآيات كآيات موسى وعيسى (ع. م)، فيجيبهم بأمر الله تعالى بما هو صريح فى أن الآيات عند الله وهو القادر عليها دون الرسول، ومنه التعجب من طلبهم بقوله تعالى له: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: ٩٣]، وقوله وما فى معناها ما حكاه من جواب الرسل الأولين لأقوامهم الذين كانوا يطالبونهم بمثل ذلك بقوله تعالى: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [إبراهيم: ١١].

والأصل فى الكرامة الإخفاء والكتمان وكثيرا ما يكون ظهورها فتنة للناس.

وما كان أهلها يظهرون ما لهم كسب فيه منها كالمكاشفة إلا لضرورة وقد صرح بهذا محققو العلماء والصوفية، فهو متفق عليه بينهم خلافا للمشهور بين العامة.

قال التاج السبكى فى سياق حجج منكرى جواز وقوع الكرامات من طبقات الشافعية:

«(الحجة الثانية): قالوا لو جازت الكرامة لاشتبهت بالمعجزة، فلا تدلّ المعجزة على ثبوت النبوة. والجواب منع الاشتباه بقرن المعجزة بدعوى النبوة دون الكرامة، فهى إنما تقترن بكمال اتباع النبى من الولى. وأيضا فالمعجزة يجب على صاحبها الاشتهار، والكرامة مبناها على الإخفاء، ولا تظهر إلا على الندرة والخصوص لا على الكثرة والعموم. وأيضا فالمعجزة يجوز أن تقع بجميع خوارق العادات، والكرامة تختص ببعضها كما بيناه من كلام القشيرى وهو الصحيح» أ. هـ. ثم قال:

<<  <   >  >>