للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨]، وقال عمت رحمته: ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة: ٦].

ومن فروع هذا الأصل أن الواجب الذى يشق على المكلف أداؤه ويحرجه ويسقط عنه إلى بدل أو مطلقا كالمريض الذى يرجى برؤه، والذى لا يرجى برؤه ومثله الشيخ الهرم- الأول يسقط عنه الصيام ويقضيه كالمسافر، والثانى لا يقضى بل يكفّر عن فطره بإطعام مسكين فدية عن كل يوم إذا قدر- وأما المحرم فيباح للضرورة بنص القرآن وإن كان تحريمه أو النهى عنه لسد ذريعة الفساد فيباح للحاجة كما بيناه فى تفسير آيات الربا وآيات الصيام، وآية محرمات الطعام «١».

[الخامسة]

منع الغلو فى الدين وإبطال جعله تعذيبا للنفس بإباحة الطيبات والزينة بدون إسراف ولا كبرياء وقد فصلنا ذلك فى تفسير الآيات الواردة فى الأمر بالأكل من الطيبات فى سورة البقرة، وسورة المائدة، وتفسير قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣١، ٣٢].

وقال الله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء: ١٧١]، وفى هذا النهى اعتبار للمسلمين لأنهم أولى بالانتهاء عن الغلو بأن دينهم دين الرحمة واليسر، والأحاديث الصحيحة فى نهى المسلمين عن الغلو فى العبادة وعن ترك الطيبات، وعن الرهبانية والخصاء، مبينة لهذه الآيات وهى مصداق تسمية النبى صلّى الله عليه وسلّم لملته بالحنيفية السمحة.

[السادسة]

قلّة تكاليفه وسهولة فهمها، وقد كان الأعرابىّ يجيء النبى صلّى الله عليه وسلّم من البادية فيسلم فيعلّمه ما أوجب الله وما حرّم عليه فى مجلس واحد فيعاهده على العمل به فيقول صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح الأعرابىّ إن صدق»، وكان هذا أعظم أسباب قبول الناس له، ولكنّ الفقهاء أكثروا بآرائهم الاجتهادية حتى صار العلم بها متعسرا، والعمل بها كلّها متعذرا، ولا يعترض على هذه


(١) قد بينا يسر الإسلام وسهولته فى مواضع من المنار وتفسيره. أوسعها فى تفسير «٥: ١٠٤» وقد جمع فى رسالة مستقلة.

<<  <   >  >>