للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التشريع والتثقيف والأدب العالى فى الحضارة الإسلامية يعلو بها على حضارات جميع الأمم المسرفة الفاسقة، فهل كان هذا وما قبله وما يذكر بعده مما نبع من نفس محمد الأمى فى العقد الخامس من عمره، خلافا لطبائع البشر، إذ لم يعهد قط أن يفيض من عقولهم فى هذه السن، ما لم يكونوا فكروا فيه وزاولوه فى سن الصبا والشباب، أم الأقرب إلى عقل المؤمن أن يكون وحيا من الله تعالى؟ كلا الأمرين من الخوارق والعجائب فمن يؤمن بالله يجب عليه أن يقول إنه وحى منه إذ لا يقدر عليه غيره. ومن لا يؤمن به لا يجد أمامه إلا أن يقول إن محمدا أفضل من جميع البشر بنفسه، إذ صدر عنه ما لم يصدر مثله عن غيره، ولا هو من شأن طبيعتهم وغريزتهم فى هذه السن.

[القطب الخامس: ما أوجب الله من حفظ المال من الضياع بالإسراف والاقتصاد فيه]

قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النساء: ٥] قيام الشيء وقوامه- بالكسر والفتح- ما يستقيم به ويحفظ ويثبت، أى جعلها قوام معايشكم ومصالحكم، والسفهاء هم المسرفون المبذرون لها؛ لصغر سنهم دون الرشد أو لفساد أخلاقهم وضعف عقولهم: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء: ٥ - ٦]. الابتلاء التجربة والاختبار، أمر باختبارهم وألا تدفع إليهم أموالهم إلا بعد ظهور الرشد فى أعمالهم، وهو الصلاح والاستقامة فى معاملاتهم، لئلا يضيعوا الأموال فيما يضر أو فيما لا ينفع.

وقال الله تعالى فى صفات المؤمنين: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) [الفرقان: ٦٧]، الإسراف: التبذير والإفراط، والقتر والقتور والإقتار: الإقلال والتضييق فى النفقة، يقال: قتر على عياله، ومثله قدر له بالدال مكان التاء ومنه: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ [العنكبوت: ٦٢]، وهو

مكرر فى عدة سور.

وقال الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ [الطلاق: ٧]، وهذا نزل في النفقة على المرأة المطلقة فى العدة، وهو إرشاد عام، والقاعدة

<<  <   >  >>