للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الكتاب الإلهى الوحيد الذى نقل بنصه الحرفى تواترا عمن جاء به بطريقتى الحفظ والكتابة معا هو القرآن، وأن النبىّ الوحيد الذى نقل تاريخه بالروايات المتصلة الأسانيد حفظا وكتابة هو محمد صلّى الله عليه وسلم، فالدين الوحيد الذى يمكن أن يعقله العلماء المستقلون فى الفهم والرأى ويبنوا عليه حكمهم، هو الإسلام.

وأما خلاصة ما يمكن الاعتراف به من الأديان السابقة لثبوت قضاياه الإجمالية بالتواتر المعنوى، فهو أنه وجد فى جميع أمم الحضارة القديمة دعاة إلى عبادة الله تعالى وحده، وإلى العمل الصالح، وإلى ترك الشرور والرذائل، منهم أنبياء مبلغون عن الله تعالى مبشرين ومنذرين، كما أنه وجد فيهم حكماء يبنون إرشادهم على الاحتجاج بما ينفع الناس ويرضهم بحكم العقل والتجربة، ووجد فى جميع ما نقل عن الفريقين أمور مخالفة للعقل ولما ينفع الناس، وأمور خاصة بأقوامهم وبزمانهم، وخرافات ينكرها العقل وينقضها العلم.

وإذا كان الإسلام ونبيّه هو الدين الوحيد الذى عرفت حقيقته وتاريخه بالتفصيل؛ فإننا نذكر هنا شبهة علماء الإفرنج الماديين ومقلدتهم عليه، بعد مقدمة فى شهادتهم الإجمالية له، تمهيدا لدحض الشبهة، ونهوض الحجة، فنقول:

درس علماء الإفرنج للسيرة المحمدية وشهادتهم بصدقه صلّى الله عليه وسلم

درس علماء الإفرنج تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده على طريقتهم فى النقد والتحليل، ودرسوا السيرة النبوية المحمدية وفلوها فليا ونقشوها بالمناقيش، وقرءوا القرآن بلغته وقرءوا ما ترجمه به أقوامهم، وكانوا على علم محيط بكتب العهدين القديم والجديد، وتاريخ الأديان ولا سيما الديانتين اليهودية والنصرانية. وربما كتبه المتعصّبون للكنيسة من الافتراء على الإسلام والنبىّ والقرآن مما أشرنا إلى بعضه آنفا، فخرجوا من هذه الدروس كلّها بالنتيجة الآتية:

«إن محمدا كان سليم الفطرة، كامل العقل، كريم الأخلاق، صادق الحديث، عفيف النفس، قنوعا بالقليل من الرزق، غير طموح بالمال، ولا جنوح إلى الملك، ولم يعن بما كان يعنى به قومه من الفخر، والمباراة فى تحبير الخطب ولا قرض الشعر، وكان يمقت ما كانوا عليه من الشرك وخرافات الوثنية، ويحتقر ما يتنافسون فيه من الشهوات البهيمية، كالخمر والميسر وأكل أموال النّاس بالباطل، وبهذا كله وبما ثبت من سيرته ويقينه بعد النبوة جزموا بأنه كان صادقا فيما ادعاه بعد استكمال الأربعين من سنّه من رؤية ملك الوحى، وإقرائه إياه هذا القرآن، وإنبائه بأنه رسول من الله لهداية قومه فسائر الناس».

<<  <   >  >>