للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً (١) أعرفه ولا تَفُتُّوا في أعضاد (٢) الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس". فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم: نالوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: "مَن رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد" (٣)!!.

ونجم النفاق، وفشى في الناس، وعظم البلاء، واشتد الخوف، وخيف على الذراري والنساء، وكان المسلمون كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ١٠ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (٤) [سورة الأحزاب ٣٣: ١٠ - ١١].

وكانت القضايا الإدارية للمسلمين سيئة للغاية، إذ لبثوا ثلاثة أيام لا يذقون ذواقاً (٥)، وكان بطن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوباً بحجر (٦) من الجوع، ومع ذلك صبر الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام صبراً لا مثيل له في التاريخ كله، حتى انسحب المشركون يجرُّون أذيال الخيبة، وحينذاك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، ونحن نسير إليهم" (٧).


(١) فالحنوا لِي لحناً: أي يخالف ظاهر الكلام معناه.
(٢) يقال: فَتَّ في عضده، إذا ضعَّفَه وأوهنه.
(٣) سيرة ابن هشام (٣/ ٢٣٧).
(٤) طبقات ابن سعد (٢/ ٦٧).
(٥) الذواق: طعم الشيء. والذواق: المذوق، يقال: ما ذقت ذواقاً.
(٦) فتح الباري بشرح البخاري (٧/ ٣٠٤).
(٧) المصدر السابق (٧/ ٣١١).

<<  <   >  >>