للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له: "يا ابن أخي! لعلَّه آذاك أحد من قومي"؟! قال: "لا، ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره"، فانطلقا إلى البيت الحرام وردَّ عثمان جوار الوليد علانية (١).

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ضاقت عليه مكة وأصابه الأذى ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة فأذن له. وخرج أبو بكر مهاجراً، حتى إذا سار من مكة يوماً أو يومين، لقيه ابن الدغنّة فقال: "أين يا أبا بكر"؟! فقال: "أخرَجَني قومي وآذوني وضيّقوا عليَّ"! فقال: "ولِمَ؟! فوَالله إنك لتزيّن العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتُكسب المعدوم (٢) ... ارجع وأنت في جواري"؛ فرجع معه - حتى إذا دخل مكة، قام ابن الدغنّة فقال: "يا معشر قريش! إني قد أجرت ابن أبي قُحافة، فلا يعرضنّ له أحد إلا بخير". وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمُح، فكان يصلي فيه، وكان رجلاً رقيقاً إذا قرأ القرآن استبكى، فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته؛ فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنّة فقالوا: "يا ابن الدغنّة! إنك لم تجُِر هذا الرجل ليؤذينا ... إنه رجل إذا صلىَّ وقرأ ما جاء به محمد، يرقّ ويبكي، وكانت له هيئة ونحوٌ، فنحن نتخوَّف عليه صبياننا ونساءنا وضعفتنا أن يفتنهم، فائْتِه فمُرْهُ أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء". ومشى ابن الدغنّة إليه فقال: "يا أبا بكر! إني لم أجرك لتؤذي قومك ... إنهم كرهوا مكانك الذي أنت فيه وتأذَّوا


(١) سيرة ابن هشام (١/ ٣٩١ - ٣٩٢).
(٢) يقال: كسبت الرجل مالاً، فتعديه إلى مفعولين. ويقال: أكسبته مالاً. ومعنى تكسب المعدوم: أي تكسب غيرك ما هو معدوم عندك.

<<  <   >  >>