للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسار أسامة في ثلاثة آلاف رجل (١) يقطع البيد في أيام شديدة الحر من شهر حزيران (يونيو)، وبعد مسيرة عشرين يوماً نزل بجيشه، فأغار على (آبل) الواقعة شمال (مؤتة)، وبثّ خيوله في قبائل قضاعة وأحلافهم، تلك القبائل التي ظاهرت الروم على جيش المسلمين في غزوة (مؤتة)، فبث خيوله في تلك القبائل، وقضى على كل مقاومة صادفها هناك، فما: "رُئي جيش كان أسلم من ذلك الجيش" (٢).

وعاد أسامة إلى المدينة بجيشه الظافر، فتلقاه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في جماعة من الصحابة وتلقاه أهل المدينة، فدخل المدينة والناس من حوله يرددون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه: "إنه خليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقاً لها" (٣).

لقد كان أثر هذه الغزوة عظيماً في المرتدين وغيرهم، فقد شاع في الجزيرة العربية خبرها، فكانت لا تمر بقبيل يريدون الارتداد إلا تخوِّفوا وسكنوا وقالوا فيما بينهم: "لو لم يكن المسلمون على قوة، لما خرج من عندهم هؤلاء"!.

وكان أثرها في تأديب القبائل العربية القاطنة على الحدود الشمالية لجزيرة العرب واضحاً، فلم يحرِّكوا ساكناً بعدها أبداً، حتى جاءتهم جيوش المسلمين سنة ثلاث عشرة الهجرية، فدخلوا في الإسلام وأصبحوا من حماته.


(١) البدء والتاريخ ٥/ ١٥٢.
(٢) طبقات ابن سعد ٤/ ٦٨.
(٣) المصدر السابق نفسه.

<<  <   >  >>