للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما بلغ (لذريق (١) Rodrigo) ذلك - وكان قصد بعض الجهات البعيدة لغزوٍ له في بعض أعدائه - رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس، ومعه العَجَلُ تحمل الأموال والمتاع، وهو على سريره بين دابتين، وعليه مظلة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد. فلما بلغ طارقاً دنوّه قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغَّبهم فيه ثم قال: "أيها الناس! أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وَزَرَ (٢) لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم. وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت ريحكم، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أُحذّركم أمراً أنا عنه بنجوةٍ، ولا حملتكم على خطة أرخص متاعٍ فيها النفوس إلا وأنا أبدأُ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات


(١) ورد اسمه في الطبري ٥/ ٢٤٥: أدرينوق، وفي فتوح مصر والمغرب ٢٧٩: لذريق، وفي ابن الأثير ٤/ ٢١٣: رذريق، وفي ابن خلدون ٤/ ١١٧: لزريق، وفي اليعقوبي
٣/ ٢٩: أدلايق ... إلخ.
(٢) الوزر: الملجأ والمعتصَم.

<<  <   >  >>