للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبقى من حدود سوى اللغة، وما يمكن أن توحي به البيئة أو الإقليم، وهو ما ينكر الدكتور محمد غنيمي هلال إمكان تحققه في يوم من الأيام؛ لأن الأدب كما قال: هو قبل كل شيء استجابة للحاجات الفكرية والاجتماعية للوطن والقومية، وموضوعه تغطية هذه الحاجات، فهي محلية موضعية أولًا، وإن كان لا يمكن مع ذلك أن تشف هذه الحاجات عن غايات عالمية، ولكن من وراء التعبير عن المسائل والآمال والآلام القومية، وما يتبع ذلك من المواقف النفسية، والخواطر الذاتية التي لا بد أن تدل أولًا على حال المؤلف بوصفه مواطنًا أو فردًا من جماعة كبيرة.

فالآداب قومية وطنية أولًا، وهذا صحيح، فإن الأديب أي أديب لا يستطيع تجاهل ما هو موجود أمامه؛ لكي يسبح في بحار العالمية دفعة واحدة دون المرور بالمحلية التي هي جزء من الإنسانية، ومن ثم فهي العالمية مصبوغة بصبغة محلية، على أن الأديب الكبير لا يفنى في العنصر المحلي جاعلًا إياه كل وقده، بل يتخذه نقطة انطلاق نحو الأشواق والأحزان والأفراح الإنسانية، وتصويرها بعمق من خلال هذا العنصر، كما فعل ويفعل كل أديب عبقري.

ومن العرب يمكن أن نضرب المثل بالروائي الكبير نجيب محفوظ، الذي يرسم من خلال أحياء القاهرة المعزية ما يشغل الإنسان في كل زمان ومكان، بحيث يجد القراء على اختلاف بيئاتهم وأوطانهم ولغاتهم أنفسهم فيه، ويتفاعلون بقوة مع ما يبدع رغم أنه إنما يتحدث بالأساس عن الناس في بعض أحياء القاهرة، ويعترض فيما يبدو الدكتور حسام الدين خطيب على هذا الموقف الذي اتخذه الدكتور محمد غنيمي هلال، إلا أن اعتراضه ليس من الوضوح بحيث يمكن مناقشته، حتى إنه ليبدو لي أن في كلامه بعض التناقض حين يعود، فيورد بعد قليل إيراد الموافق رأي "هنري كبروس" من أن جانبًا كبيرًا من كلام

<<  <   >  >>