للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالآية من دلائل إعجاز القرآن الكريم، وهي إشارةٌ إلى سُنَّة من سنن الله في الكون، بخصوص الأمم الظَّالمة والحضارات المتجبِّرة في الأرض قديماً وحديثاً، وكذلك الطُّغاة، حيث ابتلاهم الله مع ما هم فيه من قسوة القلوب بانفتاح الدنيا من كل جوانبها، وتملُّكُهم لكلِّ وسائل القوَّة والبطش والجبروت، حتى خُيِّل لهم أنَّه لا غالب لهم من النَّاس، وليس على سطح الأرض قوةٌ يخشَون بأسها، أو شعبٌ يخرج عن طوع إرادتهم، وتاهوا بذلك زَهواً وخُيَلاءً واستعلاءً، وحينما بلغوا الغاية من ذلك، وافتُتن الناس بهم، وتزلَّفوا إليهم نفاقاً وخوفا، ً وإذا بالقصاص الإلهيِّ العادل يأتي بغتةً؛ فيبدد تلك القوى الظَّالمة، كما أشارت الآية السابقة:

{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

٤ - بَيَّنَ القرآن الكريم، أنَّ الشيطان لا يتمكَّنُ بفتنه ووساوسه، إلا من القلوب المريضة والنفوس القاسية الظالمة، وأنَّ اطمئنانَ القلوب وصدق المشاعر، قاصرٌ على أولي العلم، الَّذين جمعوا بين العلم ومعرفة الحقِّ، فهداهم الله إلى الصِّراط المستقيم، قال تعالى:

{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج:٥٣ - ٥٥].

٥ - ذكر القرآنُ الكريم أنَّ من أسبابِ قسوة القلوب وظلام النُّفوس وظلمِها: كثرةَ أمَد الناس بالكفر، وطولَ عهدهم بالمعاصي، وانغماسَ حياتهم في الشَّهوات، قال تعالى:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].

<<  <   >  >>