للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أنَّ هذه الفئة الَّتي آمنت بعيسى -عليه السلام- وصدَّقت بما أُنزِل عليه من الله، ولم تغلُ غلوَّ غيرهم، لم تصمد أمام تلك الجماعة الَّتي تزعمها بولس "شاول" اليهوديُّ، الَّذي تحالف مع الوثنيَّة الرُّومانيَّة، الَّتي استأصلت هؤلاء الموحِّدين، ونبذتهم المجامعُ النصرانيَّة، وقضى عليهم الاضطهادُ الكَنَسيُّ، ولم يبقَ منهم سوى أفرادٍ قلائل، كانوا يمثِّلون حقيقةَ رسالة عيسى -عليه السلام-، إلا أنَّ صوتهم كان خافتاً ضعيفاً، وضاع وسط الأعاصير والعواصف.

القسم الثالث:

الَّذين غلَوا فيه ورفعوه فوق منزلته الَّتي أنزله الله إياها، وهي العبوديَّة والرِّسالة، وبالغوا في إطرائه، حتى انتقلوا به من مصاف البشريَّة إلى مرتبة الألوهيَّة، -والعياذ بالله- وذلك إمَّا بسبب الانبهار بما أجرى الله على يديه من معجزات خارقة، (كولادته -عليه السلام- من غير أبٍ، وكالآيات الأُخرى الَّتي جاء ذكرُ بعضها في القرآن الكريم)، وإمَّا بسبب دسائس اليهود الكافرين الحاقدين، ليُفسدوا ما جاء به عيسى -عليه السَّلام- كما أفسدوا ديانة موسى وديانة أنبياء بني إسرائيل جميعاً، ولقد تولَّى كبر هذا الانحراف والإفساد "بولس الرَّسول" وكان من عتاة اليهود، عاصر عيسى -عليه السلام- غير أنَّه لم يلتقِ به، وكان خصماً عنيداً لرسالته -عليه السلام-، وأنزل بالحواريِّين ويلاتِ الاضطهاد والعذاب، وفجأةً تحوَّل إلى النَّصرانيَّة، وصار من أشدِّ المتحمسين لها، غير أنَّه انتهج خَطَّاً مخالفاً للدِّين الحقِّ، وأحدث شرخاً عظيماً في الدِّين النَّصرانيِّ، فزلزل أركانه، وقلبَ عقائده رأساً على عقب، وانتقل به من دينٍ خاصٍّ لبني إسرائيل، وعلى شريعة موسى، إلى ديانةٍ ممتزجةٍ بالوثنَّات والثَّقافات الأمميَّة المعاصرة؛ فدبَّ الشِّرك في أوصالها، وسرت في جنباتها فلسفاتٌ قديمة، وديانات ومعتقدات وثنيَّة، كان من معالمها وملامحها القضايا التَّالية:

<<  <   >  >>