للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه مهذبة بالمعارف، مكملة بالفضائل، متسمة بالأخلاق الحميدة، متصفة [٦٠ ب] بالسجايا الكريمة، والطباع الخيرة، فحقيق على أنْ لا تكون قيمة، وما سواها فهو مهين مبتذل، والعمري إنّ النفوس الزكية الخيرة الأبية الكاملة لو كانت تشترى بعوض لأتت على ما في أيدي الناس من الجواهر والذهب، ولكنها فيض ممن هو دائم الجود، رفيع الدرجات، ذو العرش يلقي الروح من أمره على مَنْ يشاء من عباده، أما أبو الطيب ـ رحمه الله ـ فإنه قال (١): (من البسيط)

مَن كانَ فَوقَ مَحَلِّ الشَمسِ مَوضِعَهُ ... فَلَيسَ يَرفَعُهُ شَيءٌ وَلا يَضَعُ (٢)

وقال أيضا (٣): (من الكامل)

مَن خَصَّ بِالذَمِّ الفِراقَ فَإِنَّني ... مَن لا يَرى في الدَهرِ شَيئاً يُحمَدُ

وقال [القاضي] الفاضل (٤): (من الطويل)

وَهَب أَنَّ هَذا البابَ لِلرِزقِ قِبلَةٌ ... فَها أَنا قَد وَلَّيتُهُ دونَكُم ظَهري

وَهَب أَنَّهُ البَحرُ الَّذي يُخرِجُ الغِنى ... فَكُلُّ خَرا في الشَطِّ في لَحيَةِ البَحري

حُكي أنّ الشافعي قال: لو أنّ العوام غلمان ما ارتضيت بهم.

وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه ... وليس يعملُ إلاَّ في يدَيْ بَطَلِ

اللغة: العادة: معروفة، والجمع عاد وعادات، النصل: السيف، يزهى: فهو مزهو، وجوهر السيف: ما يرى فيه من الطرق المختلفة فيه، يعمل: أي يقطع البطل الشجاع.

الإعراب: وعادة: الواو واو الابتداء، عادة: مبتدأ، أنْ: حرف ينصب الفعل المضارع، ويزهى: منصوب به، بجوهره: الباء للمصاحبة، وليس: الواو عاطفة، وليس: من أخوات كان / ويعمل: في موضع خبر ليس، إلاّ: حرف استثناء، وفي ظرفية. ... [٦١ أ]

المعنى: إنّ السيف عادته أن يكون زهوه بجوهره، ولكن ما المراد منه إلاّ القطع، والمضاء في الضريبة، ولا يكون ذلك منه إلاّ إذا كان في يدي بطل، يضرب به، ويصيب الكلى والمفاصل، يعني أنني في ذاتي كالسيف المجوهر، لما حويته من العلم، وملكته من ممارسة الأمور، وسياستها، ولكن لا نفع فيها لأنها كامنة، فلو باشرت أمرا، وتولّيت ولاية، ظهرت محاسني إلى الخارج، وبرز في الظاهر نفع ما عندي، وهذا تشبيه حسن، وتمثيل جيّد.


(١) كتبت هذه الجملة هكذا: أما قول أبي الطيب رحمه الله، وما أثبتناه من الغيث المسجم ٢/ ١٨٠
(٢) ديوانه ٢/ ٦٥
(٣) ديوانه ٢/ ٢٤٦
(٤) ديوانه (م).

<<  <   >  >>