للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشانَ صدقَك عند الناس كِذبُهمُ ... وهل يُطابَقُ معوَجٌّ بمعتَدِلِ؟

اللغة: الشين: ضد الزين، والكذب: خلاف الصدق، والمطابقة: الموافقة، والاعوجاج غير الاعتدال.

الإعراب: الواو: عطفت شان على ما قبله، صدقك: مفعول، عند: ظرف، وكذبهم: فاعل، وهل: الواو للابتداء، وهل / للاستفهام، وبقية البيت ظاهر. ... [٦٨ أ]

المعنى: وشان كذب الناس صدقك عندهم؛ لأنك تلبست بما لم يتلبسوا به، وخالفتهم في أخلاقهم، وأنت وهم في طرفي نقيض، ثم أخذ يستفهمه، ثم قال: هل يطابق المعوج بالمستقيم، فالمعوج الناس، والمعتدل أنت، وهذا عند أهل البديع يسمى حسن التعليل، لأنه علل شيئين صدقه، وكذب الناس، ثم قال: وهل يطابق المعوج، وهو الكذب، بالمعتدل، وهو الصدق.

واعلم أنّ الناظم ما وقعت له كمال المطابقة؛ لأن المعوج إنما يُطابق بالمستقيم، وقد اتفق له ما اتفق لأبي الطيب في قوله (١): (من الوافر)

رَأَيتُكَ في الَّذينَ أَرى مُلوكاً ... كَأَنَّكَ مُستَقيمٌ في مُحالِ

فَإِن تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتَ مِنهُم ... فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ

حكي أنه قيل لأبي الطيب هذا الإيراد وهو في المجلس من أنّ المحال لا يطابق الاستقامة، ولكن لو خرج: كأنك مستقيم في اعوجاج، ما كنت تصنع في البيت الثاني، فقال: كنت أقول: فإن البيض بعض دم الدجاج، فاستحسن منه سرعة الجواب.

إن كان ينجعُ شيءٌ في ثباتِهم ... على العُهودِ فسبَقُ السيفِ للعَذَلِ

اللغة: ينجع: أي أفاد، العذْل بالسكون: الملام، وبالتحريك الاسم.

الإعراب: ينجع: في موضع نصب خبر كان، وتقدم على الاسم، تقديره: إنْ كان شيءٌ ناجحا، والأصل تأخّر الخبر، لكن هنا يجوز تقديمه، وشيء: اسمها، على العهود: متعلق بثبات، والألف واللام فيه للجنس، وعلى العهود: في موضع نصب، فسبق: الفاء جواب الشرط، للعذل: اللام للتعدية، وهي / متعلقة بالخبر المحذوف، وتقديره فسبقُ [٦٨ ب] السيف العذل.

المعنى: إنْ كان شيء من الأشياء نافعا في ثبات الناس على العهود، ذلك الشيء مثل اللوم والعذل، أو التعنيف على ما ارتكبوه من [نقض] الوفاء، وإظهار العذر، فإنْ السيف يسبق مَنْ يعذل، ويفوت الفوت في كفه بعدما يمضي، وخلاصة ذلك أنَّ الوفاء بعهد منهم قد أيس


(١) ديوانه ٢/ ١٦

<<  <   >  >>