للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحركة الشمس لا وقفة لها، فالظل في انتساخٍ أبداً لا يستقر، قال تعالى: [ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكنا] (١) والآيات الواردة في القرآن في تبدل الدنيا، وتغيُّرها كثير، فلا نطيل بذكرها، وكذلك أقوال الشعراء فيها كثيرة أيضا، ومُحبها ذليل حقير. (من الطويل)

وحُبُّ الفتى طولَ الحياةِ يُذِلّه ... وإنْ كان فيه نَخْوَةٌ وعُرامُ (٢)

وكُلٌّ يُريدُ العَيْشَ والعيشُ حَتفُه ... ويَسْتَعْذِبُ اللذّاتِ وَهْيَ سِهامُ

وقال بعض الأعراب (٣): (من الوافر)

وكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أخوهُ ... لَعَمرُ أَبيكَ إِلّا الفَرقَدانِ

قال بعض الناس: إلاّ هنا بمعنى حتى، قال أبو حيان: وهذا لم أقف عليه من كلام العرب، / وأمَّا قول الطغرائي: فهل سمعت بظل غير منتقل، هو كقول القائل (٤): (من الطويل) [٧٠ ب]

رأيتُ خيالَ الظِّلِ أعجب منظراً لمن هو في عِلمِ الحقيقةِ راقي

شُخوصٌ وأشكالٌ يزهرةُ بعضها ... لبعضٍ بأصواتٍ هناكَ دِقاقِ

تمرُّ وتمضي بَابَة بعد بابةٍ (٥) وتفنى جميعا والمحرك باقي

ويا خبيراً على الأسرار مُطّلِعاً ... اصْمُتْ ففي الصَّمْتِ مَنْجاةٌ من الزَّلَلِ

اللغة: السر: الذي يُكتم، والجمع أسرار، اصمت: اسكت، منجاة: سبب النجاة، والزلل: الخطأ.

الإعراب: الواو: عاطفة على المنادى في قوله يا وارداً، وعلى الأسرار: متعلق بمطلع، مطلعا: صفة لخبير، ففي: هاهنا جواب الأمر، وفي حرف [جر] منجاة: اسم مصدر، مثل مرضاة، وهو مرفوع على لأنه مبتدأ، والخبر تقدم في الجار والمجرور، من الزلل: [من] لبيان الجنس، وهو متعلق بمنجاة، الزلل: مجرور بمن.

المعنى: ويا مَن خبِر الأمور، واطّلع على الأسرار، اصمت ولا تُبدِ شيئامما خبرته، واطّلعت عليه، فإنّ صمتك منجاة لك من الزلل، يترتب على إفشاء السر مفاسد كثيرة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أسرَّ إلى أخيه سراً لم يحلّ له أنْ يفشيَه، وقال عمر رضي الله عنه: مَنْ كتم سرَّه (٦) كان الخيار بيده، ومّنْ عرّض نفسه للتهمة فلا يلومن مَنْ أساء به الظن،


(١) الفرقان: ٤٥.
(٢) لأبي العلاء المعري، ديوانه / (م)، وكذا في الغيث المسجم ٢/ ٤١٨
(٣) لعمرو بن معدي كرب الزبيدي، ديوانه / (م).
(٤) لابن الجوزي، النجوم الزاهرة / (م).
(٥) البَابَة: الغاية والنهاية
(٦) كتبت: سر أخيه، وهو خطأ.

<<  <   >  >>