للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث المدبَّج عند علماء الحديث هو الذي يروي فيه الأقران بعضهم عن بعض، وهو متقاربون في السن والإسناد، وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد إنْ لم يوجد التقارب في السن، وهو مراتب، ذكرها أهل الحديث، فلا نطيل بذكرها.

فسِرْ بنا في ذِمامِ الليلِ مُعْتَسِفَاً ... فنفحةُ الطِيب تَهدِينَا إِلى الحِلَلِ

اللغة: الذمام: الحرمة، والاعتساف: افتعال من العسف، وهو الأخذ بغير دليل، نفحة الطيب: رائحة نفح الطيب، تهدينا: ترشدنا، الحلل: جمع حلة [وهي بيوت القوم] (١).

الإعراب: الفاء للتعقيب، أي عقب كلامه بأن قال: فسر، أمره بالسير، معتسفا: اسم فاعل، وهو منصوب على الحال، وصاحبها الضمير / المقدر في سر، وهوأنت، [٣٩ ب] والعامل فيها سر، فإن قيل: لأي شيء لم يقل معتسفين لأنهم جماعة، أو مُعتسفَيْن لأنهما اثنان قد شملهما السير، فالجواب أنه أراد أن يقول لصاحبه: تقدم أنت وسِر بنا إماما، واعتسف الأرض، ودعني مشغولا بما أنا فيه من الفكر، وحديث النفس، ولا تخف؛ فنفحة الطيب التي تتضوع من أهل الحي تهديك وتدلك على الطريق إليهم، فنفحة الطيب: الفاء هنا سببية، ونفحة مرفوع على الابتداء، والطيب مجرور بالإضافة، تهدينا: فعل مضارع من هدى يهدي، فهو ثلاثي مفتوح الأول، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء؛ لأنه معتل، لا يظهر فيه الإعراب، إلى الحلل: محله النصب، لتعلقه بتهدينا.

المعنى: فسر بنا في ذمام الليل فإنه يسترنا، واعتسف السير، ولا تركب طريقا، ولا تخش الضلال عن طريق الحي، فإن له نفحة طيب من أهله ترشدك إلى الحلة التي هم بها نزول، وهذا معنى لطيف، وتركيب دقيق، وقد جرت علدة الشعراء [بأن يذكروا] (٢) أن مواطن الحبيب وأماكنه تتضوع بأنواع الطيب، وتأرج النسمات بنفحاته العطرية، قال محمد بن عبد الله النميري (٣) في زينب أخت الحجاج بن يوسف الثقفي: (من الطويل)

تَضوَّعَ مِسكاً بَطنُ نُعمانَ إِن مَشَت ... بِهِ زينَبٌ في نِسوَةٍ عَطراتِ

لَهُ أَرَجٌ مِن مَجمَرِ الهِندِ ساطِعٌ ... تَطلَّعُ رَيَّاهُ مِنَ الكَفراتِ

ولمَّا بلغ الحجاج أن النمري تغزل بأخته تهدده، وقال: لولا أن يقول قائل لقطعت لسانه، فهرب إلى اليمن، ثم أنه استجار بعبد الملك بن مروان فأجاره

فكتب له الحجاج فأمَّنه (٤) /


(١) زيادة من الغيث المسجم ١/ ٣٧٣
(٢) زيادة من الغيث المسجم ١/ ٣٧٧، وبها يستقيم المعنى
(٣) ديوانه (م).
(٤) كتب في الحاشية: وقال ناسخه عفا الله عنه وقد مررنا بحي من أحياء العرب بالمغرب:
وَاهاً لها من خِيامٍ طابَ رَيَّاها ... من طِيبِ حَوراءَ لم يُعْرَفْ مُحَيَّاها
مَن لمْ يمر بواديها غداً كَلِفَاً ... فكيف مَنْ مَرَّبالوادي وَحَيَّاها
محمد بن أحمد التلمساني لطف الله به.

<<  <   >  >>