للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنها من متأكدات الإسلام، قال الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، والجمهور، رضي الله عنهم: هي سُنَّة ليست بواجبة، وقال الليث، وأحمد رضي الله عنهما: هي واجبة يوما وليلة على أهل البادية، والقرى دون أهل المدن، وتأول الجمهور هذه الأحاديث على الاستحباب كحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم، أي متأكد الوجوب، حكي عن الأبرش الكلبي أنه كان عنده ضيف، فقام الضيف يصلح المصباح، فقال له: مه ليس من المروءة أن / يُستخدَم الضيف، وكذلك اتّقق لعمر بن عبد العزيز مع رجاء بن حيوة. ... [٤٦ أ]

يُشفَى لديغُ العوالِي في بُيوتهِمُ ... بنهلةٍ من غَدِيْرِ الخَمْرِ والعَسَلِ

اللغة: لدغته العقرب تلدغه لدغاً فهو ملدوغ ولديغ، العوالي: الرماح، النهلة: الشربة الواحدة، والمنهل: المورد، والغدير: القطعة من الماء، الخمر: معروف، والعسل: يذكّر ويؤنّث، وهو مجاج النحل.

الإعراب: يُشفى: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، لديغ: فاعله، العوالي: جمع عالية، وموضعها جر بالإضافة، والضمير في بيوتهم يعود على رجال الحي، والجار والمجرور في موضع جر بالإضافة، بنهلة: الباء هنا للاستعانة، والجار والمجرور يتعلق بيُشفى، ويصلح أن يكون حالا، من غدير: من هنا لبيان الجنس، وتكون للتبعيض، وغدير هنا مفعول؛ لأنه يُغادَرُ من السيل في الأودية.

المعنى: إن هؤلاء القوم من وصفهم أنّ لديغ العوالي الذي طُعن يشفى بشربة واحدة من غدير الخمر والعسل، وقوله: لديغ العوالي الملدوغ، حقيقة في العقرب، مجازا في غيره، وقوله: بشربة من غدير الخمر والعسل هو كناية عن رضاب الفتيات اللاتي تقدم ذكرهن، شبه ريقهن بالخمر والعسل، وإلاّ لو حمل على حقيقته كذّبه الحس؛ لأن الذي يُطعن بالرمح لا يشفى بشرب العسل والخمر، ولهذا عكس قول القائل (١): (من الكامل)

سُكْرانِ سُكْرُ هوى وسكرُ مُدامَةٍ ... فمتى إفاقةُ مَنْ بهِ سُكرانِ

أي لا إفاقة له، ولا إقالة من عثرته ما دام متصفا بهذا الوصف، واعلم أنّ للشعراء ألفاظا صارت بينهم حقائق عرفية، وإن كانت في الأصل مجازا؛ لكثرة دورانها في كلامهم، وتعاطيهم استعمالها؛ لأنهم ألفوا ذلك من تداولها وتكرارها على ألسنتهم، ومسامعهم، فمن / ذلك الغصن إذا أطلقوه فهموا منه القوام، والكثيب إذا أطلقوه فهموا منه الردف [٤٦ ب] والورد إذا أطلقوه فهموا منه الوجنة، والأقاح إذا أطلقوه فهموا منه الثغر، والراح إذا أطلقوه فهموا منه الريق، والنرجس إذا أطلقوه فهموا منه العيون، وكذا السيوف والسهم والسحر، فإذا أطلقوا الآس أو البنفسج أو الريحان فهمو منه العِذار، كل هذه الأشياء انتقلت من


(١) لديك الجن الحمصي، ديوانه / (م).

<<  <   >  >>