للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَينَ السُيوفِ وَعَينَيهِ مُشاكَلَةٌ ... مِن أَجلِها قيلَ لِلأَغمادِ أَجفانُ

وإن كان أخذه من قول أبي الطيب (١): (من الكامل)

وَلِذا اِسمُ أَغطِيَةِ العُيونِ جُفونُها ... مِن أَنَّها عَمَلَ السُيوفِ عَوامِلُ

ولا أخِلُّ بغِزلان أغازِلُها ... ولو دهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ

اللغة: أخلّ بكذا: تركه، والغزلان: جمع غزال، أغازلها: أحادثها، دهتني: أصابته الداهية، والغيل: موضع الأسد، وفلان قليل الغائلة أي الشر.

الإعراب: أغازلها: فعل مضارع، وموضعه نصب / للمفعولية، والجملة في [٥٠ ب] موضع جر صفة لغزلان، دهتني: فعل ماض، والتاء علامة التأنيث للفاعل، والنون للوقاية، والياء ضمير المفعول، وهو االمتكلم، أسود: جمع أسد، وهو مرفوع على أنه فاعل دهت.

المعنى: الكلام في هذا البيت كالكلام في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم العبد صهيب، وقد تكلم عليه القرافي (٢) وغيره، فلا نطيل بذكره، ومعناه: لو دهتني أسود الغيل بالغيل ما أخللت بغزلان أغازلها، فكيف وما دهتني، فعدم إخلالي بطريق أولى، فالإخلال مرتبط بدهاء الأسود، وتخريجه على ما قال القرافي أنّ الغالب على الأوهام أنّ الإنسان يخل بمحادثة مَنْ يحادثه إذا دهته الأسود باغتيالها، فقطع الشاعر هذا الربط، وقال: ما أخل بمحادثة هذه الغزلان مع وجود دهاء الأسود، واغتيالها إياي، وهذه مبالغة كبيرة عظيمة في الشغل بالمحبوب والأنس به عن كل ما يذهل النفوس، ويشغل القلوب التي ترتاع وتنفر من حصوله، ولقد بالغ أبو الحسن علي بن رشيق في قوله (٣): (مجزوء الرجز)

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ في السَّفينَةِ والرَّدى ... مُتَوَقَّعٌ بِتَلاطُمِ الأَمْواجِ

وَالْجَوُّ يَهْطِلُ والرِّياحُ عَواصفٌ ... وَاللَّيْلُ مُسْوَدُّ الذَّوائِبِ داجِ

وَعَلى السَّوَاحِلِ لِلأَعادي غارَةٌ ... يُتَوَقّعُونَ لِغارَةٍ وَهِياجِ

وَعَلَت لأَصْحابِ السَّفينَةِ ضَجَّةٌ ... وَأَنا وَذِكْرُكِ في أَلَذِّ تَناجي

والأصل في هذا المعنى قول عنترة (٤): (من الكامل)

ولقَدْ ذكرتُكِ والرِّماحُ نواهلٌ ... منِي وبيضُ الهندِ تقطرُ مِن دمي.


(١) ديوانه ١/ ٢٢٣
(٢) شهاب الدين القرافي المالكي الأصولي: أحمد بن إدريس المشهور بالقرافي الشيخ الإمام العالم الفقيه الأصولي شهاب الدين الصنهاجي الأصل من قرية من كورة بوش من صعيد مصر الأسفل تعرف ببهفشيم ونسب إلى القرافة ولم يسكنها وإنما سئل عنه عند تفرقة الجامكية بمدرسة الصاحب ابن شكر فقيل هو بالقرافة فقال بعضهم: اكتبوه القرافي، فلزمه ذلك. وكان مالكياً إماماً في أصول الفقه وأصول الدين عالماً بالتفسير وبعلوم أخر. درس بالمدرسة الصالحية. الوافي بالوفيات، ص ٤٤٨١/ الموسوعة الشعرية.
(٣) ديوانه (م)
(٤) ديوانه، ص ١٥٠

<<  <   >  >>